الباحث الجزائري / رحموني عبد الكريم يكتب : المكبوتات حافزا للمدركات




المكبوتات حافزا للمدركات.

يعيش الإنسان منفرداً في عالم الوجدان يؤسس للكيانه النفساني،تحكمه تارةً ميول ورغبات وتقمعه طوراً سلطة الأوامر والممنوعات وفي انعدام الرقيب تطفو المكبوتات وتنبثق من أعماق نفسه الدفينة لتشق طريقها نحو البوح والإفصاح. وحول قيمة المكبوتات في تحديد المدركات كان الجدال والمرآء بين الفلاسفة وعلماء النفس واختلفوا  حول تحديد أهميته المعرفية، الخلاقة، المبدعة  بين مؤيد للاشعور مستمداً من نظرية الكبت مفجراً للطاقات الإبداعية الفكرية، ومعارض لهذا الطرح يعتبر المكبوتات سلبية لحرية الأنا الواعية تجعلها في قيد لا ينكسر وتقييد لا يفكر رباطه.

فهل الكبت النفسي حافزا للمدركات؟ وإلى إي مدى يؤثر اللاشعور على الإدراك؟

(المكبوتات حافزا للمدركات)

       يؤكد فرويد بأن الإبداعات الفكرية ناتجة بالأساس عن اللاوعي ( اللاشعور  )المتجلي في الإلهام الجارف وهذا يعني أن الأثر الإيجابي للاشعور على الإدراك يتمثل في الإبداع الفني، والفكري والعلمي الذي يخلق التوازن النفسي ويساعد المبدع على إظهار مكنوناته المكبوتة وترجمتها في أعمال إبداعية وفنية وموسيقية، فالمدركات ليست ظاهرة عقلية بحتة فحسب، بل هي كذلك ظاهرة لا شعورية، مثل إدراك الأم النائمة لبكاء رضيعها. ومن الحجج المستعملة حسب مدرسة التحليل النفساني في دور المكبوتات كحوافز للمدركات يمكن الاستعانة بقول الفيلسوف الألماني فريد يريك نتشه: « إن الجزء الأكبر من نشاطنا الفكري يحصل بطريقة لا شعورية ».[1] 

ففي المجال الأدبي ترجم صاحب العبقريات عباس محمود العقاد ومكبوتاته وهيامه الدفين بالكاتبة مي زيادة في قصة جد رائعة موسومة ب "سارة"، كما حركت بلقيس مكبوتات شاعر المرأة نزار القباني وقدم الكثير من القصائد في حقها من بينها قصيدته  « حديثك سجادة ذهبية ». 

لكن كثيرا ما يكون المكبوت سببا في أخطاء مدركاتنا ويتجلى ذلك في فلتات اللسان وزلات القلم، وهي تلك الهفوات والأخطاء التي يتورط فيها لسان وقلم الإنسان.

(المكبوتات تؤثر سلبا على المدركات)

 هناك فلاسفة آخرون وعلماء النفس يرفضون أن تتدخل المكبوتات في  تحديد المدركات، إذ يحرف اللاشعور الإدراك من خلال الكبت، أي كبت الدافع قبل الوصول إلى الشعور، فتتغير معرفتي، عندما يتم التعبير بطريقة رمزية. كما يستند دعاة هذا الموقف إلى حجة دامغة ، دور اللاشعور السلبي يتمثل في تعليق مختلف السلوكيات به، لأنه يعبر عن جوانب مرضية تحتاج دائما إلى العلاج، كما أن اللاشعور قد يكون مجرد حيل وخداع تستعمله الذات للهروب من المواقف وعدم قدرتها على المواجهة، « اللاشعور هو أنا آخر، أنا له أحكامه المسبقة وأهواؤه وحيَلُهُ، إنه ضرب من الملاك السيء، مرشد شيطاني؛ ولكي نجابهه، يجب أن نفهم أنه ما من فكرة لدينا إلا وهي ناجمة عن الأنا بوصفه الذات الوحيدة ». [2]

 فقد يؤثر سلبا على تلك المدركات التي لا نريد إظهارها مثل العواطف والأهواء.  

لكن المكبوت يلعب دورًا بارزًا على المدرك، المتجلي في الخيال المبدع هو القدرة على الاختراع. وهذا ما أصاب العالم ارخميدس عندما خرج من الحمام صائحًا وجدتها.

ما يمكن أن نصل إليه فالمكبوتات حافزاً قوياً ومحركًا كبيرًا للمدركات، فالأنا اللاشعورية تسترجع الذكريات المخبوءة وراء الشعور. فكثيرا ما ننشغل بفكرة ما دون وجد حلا لها فتكبت في الأنا العميق وبعد استراحة العقل ينكشف حل هذه الفكرة لا شعوريا لأنها شغلت ذهن المفكر.  يقول فرويد:  « فالمكبوت هو عندنا النموذج الأول للاشعور، واللاشعور هو النفسي ذاته وحقيقته الأساسية.»[3]

قائمة المصادر:

1.     فريديريك  نتشه: الاعتبارات غير الزمانية.

2.     آلان ( إيميل أوغست شارتيه ): عناصر فلسفية.

3.    سيجموند فرويد: الأنا و الهو، ترجمة: جورج طرابشي.

4.    رحموني عبد الكريم باحث من الجزائر.




[1]  فريديريك  نتشه: الاعتبارات غير الزمانية، ص: 75 .

[2]  آلان ( إيميل أوغست شارتيه ): عناصر فلسفية، ص 147 .

[3]  سيجموند فرويد: الأنا و الهو، ترجمة: جورج طرابشي، ص: 11 .

Share To: