الكاتب الجزائري / محمد بصري يكتب :موت المؤلف ورمزية الموت دهسا . تحت فرامل سيارة القمامة مأساة رولان بارث 




 

لم ينل مرض السل القاتل والمنهك من رولا بارث Roland Barthes الباحث والسميائي الفرنسي بعد صراع طويل معه في بدايات حياته حين كان صبيا ، مثلما نالت منه سيارة نقل القمامة  في25 فبراير من سنة 1980. رولان المولود  عام 1915 قُتل بصورة درامية وشنيعة وهو يقطع الطريق بحيوية ورشاقة كما كان معروفا عليه. يُعتبر الموت الأكثر مأساوية وسوداوية وشناعة في تاريخ رحيل الفلاسفة والعظماء والكتاب. بل يخفي تفاهة القتل اللاإرادي والقبيح وتفاهة بعض الجوانب المظلمة من الحداثة السائلة ولو كان الفلاسفة على دراية بالأقدار والنهايات المؤلمة لهم لأختار رولان المقصلة على أن تصدمه سيارة تافهة لم ينتبه سائقها الأرعن لوجود فيلسوف وقامة عقلية  أمامه بمكانة وتألق وحضور بارث. هذا الفيلسوف الغامض لم تستطع دوائر الترجمات والسير تصنيفه .هل ينتمي لفلاسفة الحضور أم الغياب؟

رولان بارث كان يفضل الكتابة بقلم الرصاص الأسود وأحيانا يكتب بالحبر الأسود حين تنفلت جوانحه معانقة الغضب والألم.أو حين يصل إلى درجة الانتشاء بالكآبة .ففي حالات التوتر تنفلت  المعاني كالبراكين ويتمدد القلم كسيف كنعاني صارم وقاطع.كان لموت والدته في 25 أكتوبر  1977 بالغ الأثر في مسيرته بل تعثرت حياته في صخور وجلاميد اليأس وهو يصارع حزنه لفراقها وانعكس ذلك على كتاباته الشذرية.الكتابة بالنسبة له تشبه لعبة الموت غرقا أنت تسبح في المعاني إلى أن تتعلق بالرمز كقشة النجاة . تقطيع القصاصات ونثرها فوق منضدته والكتابة عليها وإهمال بعضها إلى غاية ضرورتها وصلاحيتها الفكرية. كانت هواية تشبه الرسم في الرقاع والصخور لحفظ الكلمات من الغرور والكبرياء السلبي.

المنتوج المتأخر في مسيرة  هذا المثقف البنيوي انعكاس لتشابك حزن عميق ورثته   من هموم فراق أمه فالاندفاع الطوطمي الغريزي نحو هذه الأمومة الفريدة أفرز مزيدا من الحسرات واليأس المتراكم. .هنرييت بينجر تزوجت شابة يافعة ممتلئة بالحياة وهي في الثانية وعشرين وترمّلت في  الثالثة العشرين بعدما تخطفت عقبان الحرب العالمية الاولى وتلقف الموت زوجها لويس بارث وهو مجند شاب.. توفيت في الرابعة وثمانين دون أن يغيب عنها إبنها رولان ولو للحظة واحدة في حياته .وهو ما ترويه كاتبة سيرته ناتالي ليجير.

في كتابه "يوميات الحداد" يجدد النعي تحت أنين قلمه .كلمات تتأوه وجعا وكأنها أحشاء ثكلى إنفطر كبدها من ألم الفراق.يتحد جثمان أمه الجسد مع شطحات قلمه.جثة هامدة لإمرأة انهكها التعب والمرض مع أنوثة المرأة الضائعة ي برزخها المفقود ،حين يتضور اللاوعي تحت غرابة الرغبة الشاردة وتتربع إلكترا الفارسة إبنة الملك الضال أوديب لتستدعي حطام  رجل مسكون بوجل وحب قديم هي الأنثى الأم. الكتاب الذي أرخ لسيرة بارث هو تحشيد لمفاهيم الرهبة والإحباط والبؤس واليأس.الوحدة والعزلة.

ما كانت تؤمن به البنيوية البارثية نسبة الى رولان بارث صاحب كتاب Writing Degree Zero" الكتابة تحت درجة الصفر" لذة النص "" الغرفة المضيئة  La chambre claire " بالإضافة إلى التحليل النصي"المعروف عنه  الكتابة الشذرية، أي الكتابة المبعثرة حيث مجمل الأفكار عبارة عن أراء غير متجانسة كحبات اللؤلؤ فوق بساط الحرير لكن لها جاذبيتها كالعذارى الحسان .أقول كانت تؤمن بموت المؤلف لصالح القاريء والنص وهي عملية شبيهة بالتضحية الاسطورية في المعابد الوثنية.حيث يقدم الفارس نفسه كقربان للآلهة .. الغرض ببساطة من موت المؤلف هو الايمان بالفكرة، الدفاع عنها وتمثُلها بغض الطرف عن قائلها أو صاحبها ولو كان الشيطان نفسه..هب أنك تقرأ رواية لكاتب مجهول غير معروفة النسب.. فتتماهى مع الفكرة وتتوق إلى معرفة الخواتيم .والنهايات بتمعن واجتهاد ..وكم استهوتنا روايات ألف ليلة وليلة ورسائل إخوا ن الصفا وهي مجهولة المصادر نسبيا ولو بأسماء مستعارة .بالقابل عندما تطلع على الافكار بحضور المؤلف فإن سحابة من التأثير الشخصي والايديولوجي والثقافي والفكري ستكون حاضرة بحيث تحول بينك وبين القراءة التأويلية العميقة ستقرأ بحضور الشيخ ... ولو كانت مجرد رواية.موت المؤلف عند البنيويين يعني امتداد الافكار واحترامها بدل عبادة الاشخاص والشيوخ .فكم منا من يؤمن بالشخوص رغم رداءة الافكار.

رولان بارث كان يروض الألم بعد حالة اليتم والضياع، هو وجودي ببشر بتعاليم البنيوية تحت سيوف الخوف من أقدار الغرق في العدم .يقول غوته Goethe " إذا كان الألم يسلب الإنسان القدرة على الكلام، فقد وهبني الله ملكة التعبير عما أشعر به من ألم"



الكاتب الجزائري / محمد بصري يكتب :موت المؤلف ورمزية الموت دهسا . تحت فرامل سيارة القمامة مأساة رولان بارث .  



Share To: