الكاتبة السودانية /  ولت دلام العامرية تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الراحل المقيم" 




كانت شامخة وبكبرياء عنيف حتى على الاحزان ، لطالما كانت تلك القوية التي لم يكسرها حزن ، بينما احزانها كانت كالصديق الوفي الذي لا يقبل ان يتركها وحدها ، كان يظهر ذلك في لون كتاباتها .كانت تظهر كسيدة سخية الابتسام في كل لقاء تُقدِم عليه او جلسة تصوير، لينتهي يومها في غرفة يملؤها الدخان وقنينات النبيذ الفاخر.


ذات مساء تمت دعوتها كضيفة ببرنامج (النجم الصاعد) بما انها كانت تترصد الاجواء ومواقع التواصل تلك الفترة كأفضل روائية لعام 2019 . في نهاية الحلقة سألها المذيع كيف تصفين السعادة سيدتي ؟ ليكون جوابها ختاماً للحلقة ...

اجابته السعادة يا سيد كحبات الندى تختفي مع طلوع الشمس ... انتهت الحلقة 


يومها كان القمر قد اكتمل وتربع على عرش السماء بغرور تام وملأ الارض بنوره الملفت للانظار . حينها فضلت ان تتسكع في الرصيف تحت ضوء القمر ، وبينما هي في شرودها كان هناك من يلاحقها خفية من اول الطريق، شعرت بذلك ولكنها تجاهلت احساسها واكملت السيّر

جلست في احدى المقاعد الخالية من البشر ، كان السكون قد عم الارجاء وثمة سكون مرعب يرتجف له الابدان ، لم يكن هناك سوى صوت نبيح الكلاب وطنان حشرات الليل وحفيف الرياح البارد ....


 شعرت ان شيئآ خلفها يقترب ويقترب ثم واذا بيد تربت على كتفها الايسر من الخلف ...

التفتت بزعر شديد لتكتشف انه زوجها ، وقفت لبرهة من الزمن وكأن كل شي توقف ،قلبها ،عقلها والزمن ، كانا المحور والارض تدور حولهما بسرعة البرق ، 


وهي لحظات واذا بها ترتمي بحضنه كادا ان يسقطا ارضا ،، يومها نسيت المرأة القوية وعادة طفلة صغيرة تريد ان تحتمي بمن تحب من العالم ووحشته وقدر الزمان ،، تركها زوجها لتفرغ كل ما المّ بها من ألم وكدر وتعب ،تركها ترتاح في حضنه الدافئ الذي لطالما كانت تلجأ اليه في كل حالات الحياة ...


طفلتي الحبيبة كانت اول عبارة نطق بها بعد زمن من فراق دام سنة ، رفعت رأسها لتلتقي عينيه بعيناها المبللتين بالدموع ،واي لقاء تحسبونه كان!!

 

قال وهو ينظر لعينيها البراقتين كحبات اللؤلؤ ..حبيبتي ان الحزن كالصديق المتملك لن يترككِ مالم تتركيه انت ..

ثم وانه من قال ان السعادة تنتهي ؟.

ان السعادة يا صغيرتي كالكثبان الرملية التي كنتِ تلعبين بها على شاطئ البحر لتبني بيتاً ،وبمجرد ما ان تاتي عليها عاصفة موجية  يُهدم الرمل ولكن يظل الاثر باقياً .. هي كذلك السعادة بمجرد ما ان يجور عليها الزمن تذهب ولكن يبقى اثرها بقلوبنا وذكرياتنا حياً لا يموت ...اخذ يتحسس وجهها بيديه العريضتين وهو يقول ثم وانه لولا الحزن ما زقنا للسعادة طعم ، ثقي ان بعد كل ليل طويل سياتي الفجر لا محال ...بينما هو يردد كلمات الدعم كعادته ،  كانت هي ماخوذة بنشوة حبه وصوته ولهفتها عليه ...


قطتي المشاكسة تمردي على الاحزان فانتِ اجمل مافي الكون ، ثم اخذ بيديها وصاح باعلى صوته هيااا عيشي ماتبقى من عمر بحرية الاطفال ما زلتي طفلة ...ثم وانك تعلمين باني لا احب ان تعكفي شعركي بهذه الطريقة ، افردي شعرك الكستنائي ودعي اطرافه تداعب وجنتيكِ مع نسمات الهواء البارد ...مااجملك وما اجمل وجنتيكِ سلبتني عقلي يا امراة ،وطبع قبلة على خديها ..


توردت خجلا وبدأت تشعر بالسعادة والخوف ايضا من ان ياتي ما يسلبها اياها ،لطالما كانت تخشي السعادة المفرطة ، لكنه هنا الان صوتا بداخلها كان يردد ذلك ... 


بعدها مرحا معا تسكعا في طرقات المدينة ، وقفا على القضيب وقفزا منه حين اقترب القطار بمرح المراهقين ، دعسا على كومة اوراق الخريف برجليهما الحافيتين لتصدر صوتاً يروق لهما ،قرعا باب احدهم وركضا كطفلين مشاكسين ، كان اصوات ضحكهما يملأ ارجاء الامكنة ،كانا كمجنونين كملا بعضهما ... وبينما هم كذلك كان ينظر اليها لم تفهم حينها نظرته تلك وقال لها وهو يداعب خصلات شعرها الامامية باصابعه العريضة ،،مااجملك وانت تضحكين ،،هكذا انا احبك دوما تذكري ذلك ..أمرأة قوية ولكنها طفلة مجنونة بعض الشي ،، هيا اسبقيني الى البيت ، اولته ظهرها وهي مسحورة بنشوة حب جارف ثم ان شئيا في نفسها حدثها لما لا يذهبا معاً ،وحين التفتت لتملي له بما تريد كان قد ذهب او ربما اختفى !! 


عادت الي المنزل وفي قلبها سعادة لو وزعت على بقاع الارض لكفته ، فتحت باب البيت لتتفاجأ بمن ينتظرونها لاكمال مراسم الذكرى السنوية لزوجها الراحل !!!!


الكاتبة السودانية /  ولت دلام العامرية تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الراحل المقيم"


الكاتبة السودانية / ولت دلام العامرية تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الراحل المقيم" 




Share To: