الكاتب الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب: (فجر يبزغ من جرح)




برغم أن الحب شعورٌ لم يستثني من عذاباته أحداً، إلا أن لكل حكايةٍ ما يجعلها تختلف عن الأخرى وكأنها بصمةٌ لا تتكرر، ومع أن النهايات السعيدة ليست ما يكلل أغلبها لكن يظل لحزنها جلالٌ يصعب إنكاره، خاصةً عندما تتعانق الكثير من الأحاسيس في قصةٍ واحدةٍ تموت كالجنين في صدور أصحابها قبل أن تولد مكتملةً كبدرٍ ينير ظلمات لياليهم..


فالمشاعر لا تولد برؤية أحبابنا بل تتكون قبل لقائنا بهم من رحم آلامنا، صورةً عن حلمٍ شفافٍ لطعم الطفولة ووهج الشباب وأمان الغد، نعيشها هائمين سائحين في أكوانٍ بعيدة باحثين عن الدفىء في نظراتهم وهم الغرباء عنا، متمنين للقائهم الذي يكشف أستار الغيب فيدنيهم من أفئدتنا حتى يصبحوا قطعةً منها، لا كأحبةٍ بل كأبناءٍ لها تمتزج في حبهم المشاعر وتتداخل في عشقهم المسميات لتقف حائرةً أمام فيضٍ من مكنونات الروح التي عانقتهم في حياةٍ أخرى، لا يؤمن بها إلا من تعمد بدم حبيبه وتداخل في كيانه وتسرب تحت جلده، فبات يشم عطره ويعرف ما يخالجه دون أن تراه العين، فما نفع البصر في هوىً لا تدركه البصيرة كسماع هدير الموج في صدفةٍ على الشاطئ، أو فهم نجوى الطير فوق غصنٍ يابس لطالما سقاه من ربيع أحلامه..


ذلك الحب الذي يعلو على الحبيب فيخدر النفس ويطوق الجوارح، واصلاً في النفس ما قطعه الناس وقطعته جفوة المحبوب لتحول الغربة التي زرعها فينا إلى تربةٍ لبذور الشمس، كلما سقاها من وحشته أشرقت في القلب مصباحاً منيرا، تنمو براعمه من قسوة الهجر ومرارة الخذلان ووجع النسيان حاملةً في أوراقها نجوماً لحلمٍ آخر، ينثر العاطفة في النفوس العطشى فيقاسمها شربة حبٍ من قربة روحه محلقةً بين الغيوم، بداخلها صبر الراعي بين خرافه وسكينة الصياد فوق قاربه، علمها طول الإنتظار الصمت، وعلمته الوحدة الإستكفاء بالنفس، فولدت في أعماقها عوالم بعد أن ماتت عوالم أخرى، وخلق معها شكلٌ آخر للحب لا يشبه كل ما عرفه الناس كونه لا ينتمي إليهم، وولد من رحم فراقهم في لحظةٍ لم يكن يحتاج فيها سوى لعناقٍ دافىءٍ في أحضان ليلٍ ماطر، يتقوس فيه على ذاته ليسكن في ضلوعه كسلحفاةٍ تختبأ في صدفتها..


فقد عرف أن الفجر الذي يبزغ من جرحه لا يمكن أن يطفأه أحد، ولد مغتسلاً بدموعه ماحياً بحزنه خطايا الأمس، فكتبت له الأبدية والتحرر من قيد البشر كعصفورٍ يسافر عبر البلاد أو زهرةٍ تنبت بين صخور الجبال..



الكاتب الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب: (فجر يبزغ من جرح)



Share To: