الكاتبة المصرية / خلود أيمن تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الثمن الفادح للغربة"
انتهيت من تفريغ محتويات حقيبتي في الخزانة الخاصة بي عقب عودتي من تلك الرحلة الشاقة التي قضيتها على متن الطائرة المتجهة نحو أرض الوطن بعد سنوات طوال من العمل في تلك الوظيفة المُرهِقة حتى تمكنت من الوصول لمكانة مرموقة بها فلقد كنت مُحمَّلاً بالذكريات التي فاضت بمخيلتي ، مفعماً بالحنين لعبق الماضي الذي مرّ أمامي كقطار سريع ، كفيلم قصير أحببت مشاهدته ، ثم بدأت أشعر بالإجهاد الشديد فلقد كنت مُنهَكاً بما يكفي بفضل عناء السفر و طول الرحلة ، فاتجهت نحو الأريكة و قررت أنْ استرخي وأنال قسطاً من الراحة فاستلقيت فوقها و مددت جسدي ورُحت في سُبات عميق وسرعان ما أيقظني رنين الهاتف فقُمت فزعاً وأجبت عليه فإذا به صديقي الذي بمجرد أنْ علم برجوعي لأرض الوطن حتى قرر الاطمئنان على أحوالي وطلَب مقابلتي فلم أتردد للحظة ، فما لبثت أنْ أنهيت المكاملة حتى اتجهت إلى غرفتي واستبدلت ملابسي و خرجت على الفور ذاهباً إليه في ذلك المكان المزدحم الملئ بالمارة الذين يقطعون الشوارع ذهاباً وإياباً وقد كانت علامات البهجة مرتسمة على وجوههم كما اعتدتهم دوماً فلم يتغير أي منهم مطلقاً ، وبدأنا رحلتنا نجوب شوارع البلاد المليئة بالحب والخيرات والدفء الذي يغمر قلوب أصحابها والتي اشتقت إليها كثيراً ، فلقد كنت مفتقداً لتلك الأجواء الجميلة منذ زمن طال فلم ألتقِ بأناس كشعب بلدي قط رغم كثرة مَنْ عرفتهم بالخارج فلقد أيقنت أنها علاقات عمل فحسب فلا وقت للمرح أو حتى الشعور بالآخرين فلقد كان معظمهم يغلب عليه طابع الصرامة وكأنهم بلا روح ، لقد قضيت وقتاً ممتعاً حقاً مع صديقي الغالي عوضني حرمان السنوات الماضية ، وما أنْ عُدت للمنزل حتى جلست أفكر في ذلك الأمر الذي طالما شُغِلت به وربما أَذْهَب النوم من جفوني ألا وهو هل تستحق تلك الوظيفة التضحية بكل تلك الأمور الأخرى الشيقة في بلادي ؟ ، فما إنْ بدأت أمارات الإجابة تنبثق بذهني حتى قررت أنْ أعاود البحث عن عمل في بلادي والحفاظ على ما تبقى مني ، من أصولي التي كِدت أنساها بفضل غيابي الطويل عنها تاركاً تلك الغربة المقيتة التي أكلت روحي ، سلبت مني أعز ما أملك من صحبة وأهل مهما كان العائد الذي يأتيني مُجزِّياً ، فهناك أمور أكثر أهميةً من تحصيل الأموال و السعي وراء زيادتها وهذا ما اكتشفته مؤخراً وقد يتفق أو يختلف معي البعض و لكن تبقى تلك هي وجهة نظري بعد عناء سنوات مريرة قضيتها بعيداً عن بلادي شاعراً بالوحدة القاتلة التي كانت تفتك بي بلا رحمة كل ليلة بل كل ساعة ، فقررت القضاء عليها و العودة لرشدي و خدمة بلادي بتلك الجهود المُضنيَّة التي أُقدِّمها للآخرين فهي حقاً تستحق أنْ ننهض بها ونحاول أنْ نُطورها بقدر الإمكان من أجلنا ومن أجل الأجيال التالية وعلينا شحن أذهانهم بتلك الفكرة أيضاً قبل أنْ يفكروا في الرحيل عنها يوماً ، فتلك هي مهمتنا الأساسية التي سنظل نسعى لتطبيقها بكل ما بداخلنا من قوة و إرادة حتى يعود النفع على بلادنا دون تصديره لمَنْ لا يستحق ...
الكاتبة المصرية / خلود أيمن تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الثمن الفادح للغربة"
Post A Comment: