فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "ومضى الأسبوع الأول من رمضان" 




مَا أَسرَعَ مُرُورَ اللَّيَالي وَمُضِيَّ الأَيَّامِ وَمَا أَعجَلَ انقِضَاءَ الأَوقَاتِ وَذَهَابَ السَّاعَاتِ .


 بِالأَمسِ القَرِيبِ دَخَلَ شَهرُ رَمَضَانَ المُبَارَكُ وَكَانَ المُسلِمُونَ في شَوقٍ عَظِيمٍ لِبُلُوغِهِ وَكَانَت نُفُوسُهُم في لَهفَةٍ شَدِيدَةٍ لإِدرَاكِهِ ثُمَّ هَا هُوَ اليَومَ قَد مَضَى أسبوع عَلَى عَجَلٍ، وَأَدبَرَت مِنهُ ثمانية لَيالً كَلَمحِ البَصَرِ .


نَعَم أيها الصائمونِ مُنذُ أَيَّامٍ كُنَّا نَدعُو وَنَقُولُ :


اللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمَضَانَ وَمُنذُ لَيَالٍ قَلِيلَةٍ هَنَّأَ بَعضُنَا بَعضًا بِبُلُوغِهِ وَفي تِلكَ اللَّحَظَاتِ الإِيمَانِيَّةِ العَظِيمَةِ المَملُوءَةِ بِالسَّعَادَةِ الغَامِرَةِ وَالفَرحَةِ العَامِرَةِ تَنَادَى المُوَفَّقُونَ بِنِدَاءِ السَّمَاءِ :

 يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ وَمَضَوا إِلى مَسَاجِدِهِم مُصَلِّينَ خَاشِعِينَ وَسَارَعُوا إِلى مَصَاحِفِهِم تَالِينَ مُتَدَبِّرِينَ، وَرَفَعُوا أَكُفَّهُم مُبتَهِلِينَ دَاعِينَ وَنَوَّعُوا أَعمَالَ البِرِّ وَسَلَكُوا طُرُقَ الخَيرِ وَبَذَلُوا الصَّدَقَاتِ وَشَارَكُوا في أبواب الخيراتِ .


وَاليَومَ نُفَاجَأُ بالأسبوع  الأَوَّلِ من رَمَضَانَ قَدِ انقَضَى وَمَضَى فَيَا سُبحَانَ اللهِ أَبِهَذِهِ السُّرعَةِ ذَهَبَت ثمانية ليال من رَمَضَانَ ؟

 

أَهَكَذَا مَضَت ثمانية لَيال مِن لَيَالي ضَيفٍ خَفِيفِ الظِّلِّ عَظِيمِ الأَجرِ ؟


إِنَّنَا وَقَد كَادَ الثلث الأول يَنصرفُ ، لا بُدَّ أَن نَقِفَ مَعَ أَنفُسِنَا وَقَفَاتِ مُحَاسَبَةٍ دَقِيقَةً ، وَنَسأَلَهَا عِدَّةَ أَسئِلَةٍ جَادَّةٍ : 


مَاذَا أَودَعنَا في تِلكَ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ؟

وَبِمَ أَحيَينَا تِلكَ اللَّيَاليَ النَّيِّرَةَ؟ 

كَيفَ كُنَّا مع كِتَابَ اللهِ الكَرِيمِ؟ 

هَل صُنَّا الجَوَارِحَ وَالأَسمَاعَ وَالأَبصَارَ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ؟

هَل دَاوَمْنَا عَلَى صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَحَرِصْنَا عَلَى القِيَامِ مَعَ الإِمَامِ حَتى يَنصَرِفَ ؟ 

هَل تذكرنا المساكين وَأَعَنَّا الفُقَرَاءَ وَالمُحتَاجِينَ ؟ 

هَل حَرِصْنَا عَلَى بَذلِ الصَّدَقَاتِ وَدَاوَمنَا عَلَى دَفعِ الأُعطِيَاتِ وَتَابَعنَا البِرَّ وَالصِّلاتِ ؟ 

هَلِ اجتَهَدْنَا في طَلَبِ العِتقِ مِنَ النِّيرَانِ وَأَخَذنَا بِأَسبَابِ دُخُولِ الجِنَانِ ؟


لَقَد أوشكنا على الدخول في الثُّلُثِ الثَّاني مِن رَمَضَانَ فَيَا لَسَعَادَةِ مَن عَرَفَ فَضلَ زَمَانِهِ وَهَنِيئًا لمن مَحَا بِتَوبَتِهِ صَحَائِفَ عِصيَانِهِ وَيَا فَوزَ مَن أَقبَلَ طَائِعًا يَرجُو عِتقَ رَقَبَتِهِ وَفَكَّ رِهَانِهِ .


هَذِهِ أَيَّامُ العِتقِ تَنقَضِي يَومًا بَعدَ يَومٍ وَتِلكَ لَيَالِيهِ تَذهَبُ لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ الأَيَّامُ تَمضِي مُتَسَارِعَةً وَاللَّيَالي تَذهَبُ مُتَتَابِعَةً، وَالأَعمَارُ تَنقَضِي بِانقِضَاءِ الأَنفَاسِ، وَكُلُّ مَخلُوقٍ سَيفَنى طَالَ الزَّمَانُ أَم قَصُرَ .


وَهَذَا شَهرُ الرَّحمَةِ وَالغُفرَانِ ، وَلْنَعلَمْ أَنَّ للهِ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيلَةٍ ، وَوَاللهِ لا يَدرِي أَحَدُنَا مَتى يَكُونُ عَتِيقًا للهِ ؟

 أَفي أَوَّلِ الشَّهرِ أَم في وَسَطِهِ أَم في آخِرِهِنَ؟ 


علينا المدَاوِمُة عَلَى فِعلِ الخَيرِ وَلَو كَانَ قَلِيلاً  فَقَد كَانَ أَحَبُّ العَمَلِ إِلى النَبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَا دَاوَمَ عَلَيهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ .


قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ : 


اِكلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ العَمَلِ إلى اللهِ تَعَالى أَدوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ" .


 رَوَاهُ الإمام أَحمَد


فَلْيَكُنْ لَنَا بِنَبِيِّنَا أُسوَةٌ وَقُدوَةٌ 


﴿ لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا ﴾.


رَحَلَ الأسبوع الأَوَّلُ مِن رَمَضَانَ وَمَضَى وَهَا هُوَ النِّصفُ يُوشِكُ عَلَى الرَّحِيلِ فَيَا أَيُّهَا المُجتَهِدُ المُحسِنُ فِيمَا مَضَى دُمْ عَلَى طَاعَتِك وَإِحسَانِك فِيمَا بَقِيَ .


وَيَا أَيُّهَا المُسِيءُ المُفَرِّطُ الغَافِلُ وَبِّخْ نَفسَكَ عَلَى التَّفرِيطِ وَلُمْهَا عَلَى التَّقصِيرِ وَقُلْ لي بِرَبِّكَ إِذَا خَسِرتَ في هَذَا الشَّهرِ فَمَتَى سَتَربَحُ؟ 


إِلى مَتى الكَسَلُ وَالتَّوَاني وَحَتى مَتى التَّفرِيطُ وَالتَّهَاوُنُ؟ كَفَى لَهوًا وَسَهوًا وَنَومًا وَغَفلَةً .


لَقَد أَوشَك الثلث الأول مِن شَهرِنَا على الرحيل وَبَينَ صُفُوفِنَا مَن فَاتَتهُ صَلَوَاتٌ مع جَمَاعَة المسلمين .


 لَقَد أَوشَكَ الثلث الأول عَلَى الرَّحِيلِ وبين صفوفينا مَن لم يحضر صلاة الفجر ولو مرة واحدة .


 لَقَد أَوشَكَ الثلث الأول عَلَى الرَّحِيلِ وَبين صفوفنا مَن لم يتصالح مع إخوانه وجيرانه .


لَقَد أَوشَكَ الثلث الأول عَلَى الرَّحِيلِ وَبين صفوفنا مَن لم يفتح المصحف ويقرأ ولو حزبا واحدا .


لَقَد أَوشَكَ الثلث الأول عَلَى الرَّحِيلِ وَبين صفوفنا مَن آثَرَ النَّومَ عَلَى كَسبِ الطَّاعَاتِ وَفَضَّلَ الرَّاحَةَ عَلَى تَنوِيعِ العِبَادَاتِ .


فَأَحسَنَ اللهُ عَزَاءَ مَن قَصَّرَ في ثُلُثِ شَهرِهِ الأَوَّلِ وَجَبَرَ مُصِيبَتَهُ وَأَحسَنَ لَهُ استِقبَالَ بَقِيَّةِ المَوسِمِ العَظِيمِ وَجَعَلَنَا جَمِيعًا فِيمَا نَستَقبِلُ مِن شَهرِنَا خَيرًا مِمَّا وَدَّعنَا .


إِنَّ عَلَينَا  أَن نُصلِحَ نِيَّاتِنَا وَأَن نُرِيَ اللهَ مِن أَنفُسِنَا خَيرًا  .


إِنَّكُم في شَهرٍ كَرِيمٍ وَمَوسِمٍ عَظِيمٍ فَقَدِّرُوهُ وَاغتَنِمُوهُ وَلا تَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ يُفَرِّطُونَ وَيَتَهَاوَنُونَ :


﴿ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ المَوتُ قَالَ رَبِّ ارجِعُونِ * لَعَلِّي أَعمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكتُ كَلاَّ إِ




فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "ومضى الأسبوع الأول من  رمضان" 



Share To: