الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان " في سجن نفسي (سؤال القفز الحضاري)" 




في سلسلة(الدين والثورة1981- 1952) الكتاب الثاني طبعة مكتبة مدبولي بالقاهرة بعنوان (الدين والتحرر الثقافي)، للدكتور حسن حنفي، طرح سؤاله القائل ب" هل يمكن قفز المراحل التاريخية؟"، و بطرح آخر قدم السؤال بشكله التقريري، " هل لابد لمجتمع نام معين أن يمر بنفس المراحل التاريخية التي مرت بها الحضارة الأوروبية، وهي النموذج المعطى في الوقت الحالي؟"، وقبل أن يجيب بنفسه حلل السؤال بكذا من الطرق، هل لابد أن يمر المجتمع بعصور الإحياء ثم الإصلاح ثم النهضة ثم العقلانية ثم التنوير ثم الوضعية ثم الحداثة وما بعدها من ما طرحته التكنولوجيا من أزمات،  فإن كانت المجتمعات لابد أن تمر بخمس مراحل طبقا للماركسية التقليدية، لقط الثمار والصيد ثم الزراعة ثم الإقطاع ثم الرأسمالية ثم الإشتراكية العلمية بحسب أفكار ماركس الأولى، كيف لمجتمع نام أن ينتقل من مراحل قديمة إلى مراحل جديدة دون تدرج في نقد القديم ومواجهة مخاطر التجاوز والوقوع في إذدواجية التقدير والتي ضمنها أخطار الردة للقديم في حالة الفشل ثم هل تشكل الثورة مرحلة متقدمة عن مرحلة نقد الموروث من التراث فتكفي هذه المرحلة لتكون مرحلة متوسطة مابين التراث والثورة، أم أنه لابد عند تقديم الإصلاح والتغيير الإجتماعي من المرور بمراحل نقد الدين والمثالية ونقد المجتمع نفسه؟؛


ثم في كتاب الإسلام والعروبة، الهيئة المصرية للكتاب 1996، يقدم الدكتور محمد عمارة الأسباب التي رأى فيها أنها قاومت الحضارة الإسلامية وقهقرت من خطواتها المتقدمة، فكان منها ربط القومية العربية وحركتها بالعداء للدولة الإسلامية العثمانية، وهذا الشأن ساعدت عليه دولة الرجل المريض إذ أنها إعتبرتها منافسة بينها وبين الغرب الإستعماري لبسط السيطرة على  الرقعة العربية وهذا على حساب الدين والثقافة والحضارة التي جمعت شعوب الدولة العثمانية، فواجهت اليقظة العربية سيطرة مملوكية عثمانية، وسعى الغرب لهدم تلك القوامة الباقية وهي الإمتداد الحضاري المشترك مابين العثمانيين والعرب ثم سعت تلك القوى بعدها لعدم توحد الشأن العربي ذات البين، فبدرت بذور التناقض والصراع والعداء مابين العروبة والإسلام، كقومية وكحضارة.


☆ هذه التساؤلات والتحليلات لابد أن ينشغل بها العقل ويدور حولها نقاش متوسع، واعتبارها مرحلة وسيطة بين نصوص التراث الأولى والإدعائات التراثية الآنية، لتخليص الحاضر من المذايدات الفكرية أولا ثم جلب الإهتمام الحثيث مجددا من قلق وجدية هذا القلق على المستقبل.


☆ السياسة كانت سبب خراب كل شيء، فالآخر يتعامل معنا سياسيا لإعلاء مصلحته، ونحن نتعامل ضمننا سياسيا للإنتصار لمصالحنا، وكل صورة في مجتمعاتنا هي صورة سياسية خالصة للمصلحة والمنفعة.


☆ بينما أستعرض في كلمات موجزة محاولة للإجابة عن سؤال القفز التاريخي للوصول لما إنتهت إليه الحضارة الغربية المهيمنة  بشكل عام، قريبا قد لا نرى للدول والقوى الكبرى بأشكالها التقليدية من مجتمعات بشرية وثقافات مميزة ومساعي تقدمية  سياسات واضحة بل سنجد شكل تنافسي كبير للحضارة القائمة في الغرب وإضطراب في الأداء السياسي يتبعة غلو في الواجب الزائف لدى العقل الغربي وغلو في الإتباع من النفوس الشرقية وغلو في الصمت قبل المجتمعات المتذبذبة مابين التقدم والتخلف لإرتباك المشهد القادم، قد لا نرى دولا بالمفهوم المستشهد به سياسيا، وعوضا عن هذا ستكون للشركات ذات المساعي التوسعية خاصة منها شركات التكنولوجيا والتواصل المعلوماتي والإتصالات إلخ، ستكون لتلك الشركات هيمنة إجتماعية وسياسية وجغرافية إقتصادية بعدما هيأت العالم حسب أسباب نجاحها الكاسح، منذ شهور خرج مجتمع الخمس الكبار بنشوة إنتصار للعالم كله عبر تمكنه من فرض حزمة من الضرائب على شركاته الكبرى، أعد هذا المجتمع المكون من كبريات إقتصادات العالم إنجازه إنتصار للبشرية، ايضا منذ شهور كانت قمة العشرين البيئية وخرج عنها توصيات غير ملزمة تعبر عن الصورة التي يكتسي بها الإنسان المنتشي بالمثالية ووضوح  الرؤيا بينما عدم إلزاميتها مثل الوجه الحقيقي للكائن النفعي الوحيد الذي يعبث بكل شيء معبرا عن انحطاطه ، لكن وما سقط عن فكر المجتمعات الإنسانية في تلك الدول أنه، لابد من وجود مقابل، منطقيا تلك الضرائب لابد من تعويضها بينما هذه الشركات هي ركائز هذه الإقتصادات التي باتت أساسية، بينما تحدث العالم عن تطور تاريخي غير مسبوق سيشكل ثورة بالأساس على واقع البشرية إلى أن تكشفت مساعي غزو الفضاء والرحلات التجارية للمريخ ثم الشرائح الإليكترونية التي قد تزرع في جسم الإنسان تعالج أمراضه وتقرر له وتخطط ثم ثورة الذكاء الإصطناعي من ضم روبورتات آلية تمهيد لدمجها ضمن حياة البشر ثم أخيرا الحديث عن إختراع واقع إفتراضي، يرى قلة من علماء النفس أن الحضارات الإنسانية التي تظن أنها تعالج واقعها وتتحدى طبعها وفطرتها ستواجه العظيم من الأمراض الإجتماعية، وستظهر هذه الأمراض طبقا لوتيرة التطور الذي تسعى له البشرية، إذ أن التطور لن يتباطأ ليشكل أبحاثه ودراساته ومقارناته ولن يتراجع إن واجه تدمير للقدرة الإستمرارية الطبيعية، بل ستكون هناك أهداف تبعدنا بأشواط يستهل التطور الوصول لها معمي عن أي إضطراب.


☆ تلك النقلة البشرية لن يكون ضحاياها إلا مجتمعات تستهلك التطور كسلعة لم تفكر له ولم تصنعه ولم تشهد مراحله، بينما وأعود لأعلام فكرنا العربي الإسلامي وكتاباتهم التي تشكل مرحلة وسيطة في التاريخ الفكري وتعد نقله للتراث وعتبات لثورة الإنجاز في ظل دعوتي للتمسك بالتراث والقفز به نحو مرحلة التطور الآنية ليتثنى فهم القادم عن طريق فهم الذات ثم  الآخر الذي سيسعى لمحو تاريخة مقابل لذته النفعية، أدعو لأن نكون الحضارة الوحيدة التي لها خط زمني من ماضي وتاريخ مع الأخذ بأسباب العلم والعلوم.

ما يجب أن نفعله ليس سياسيا مادامت السياسة باتت من أفعال إنسان الحضارة التي ستنصرم، ثم إن تغليب المصلحة الحضارية لم يعد إلا إجبار وإنتهاز فرص الآخرين نجاعة وتطور وتقدم، لم يعد الرخاء والرفاة مكتسب نهائي للحضارة، بينما التساؤل عن الهوية والمرجعيات تساؤل للمغالطة الفكرية، إن القفزة الأولى يجب أن تنقلنا وفورا جانب الإنسان الذي يفكر في هلاكه ويسعى له ثم يمكننا حينها توجيه أنفسنا لأن ظهورنا تدفعها حضارة سيعاد إحيائها وظاهرنا فكر لن يستسلم وباطننا إعلاء لقيمة الإنسان الذي أراده الله لعمارة الأرض، في هذا كله حفاظا على الإنسان الذي لا يجب أن يكون بعد الآن منقاد وحفاظا للقيمة الفطرية التي يقننها الإسلام ويدعوا بها"لا ضرر ولا ضرار" إذ أنه يجب توسيع هذه المفاهيم لتشمل توسع الإنسان الذي هو راغب في قفزة نحو عدم التراجع محافظا على إنجازه التراثي.


أظن أنه يجب أن نميت السياسة الحالية عبر رفض مساراتها ورموزها ونبدأ في تعديل الأوضاع بالطلب الفورى لمكانتنا الحضارية.




الكاتب المصري / رامي حلبي يكتب مقالًا تحت عنوان " في سجن نفسي (سؤال القفز الحضاري)" 




Share To: