الكاتب الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب مقالًا تحت عنوان "ذاكرة مبعثرة" 




لا توجد لدينا كثيراً في العالم العربي وبإختلاف الثقافات التي يحتضنها فهم واضح أو سليم لمسألة التخصص والتصنيفات وقيمتها في مختلف المجالات بحيث تنظم المشهد وتحفظ الحقوق وتضع الأمور في نصابها، حيث توقف الزمن بنا طويلاً أمام نفس النظريات والعناوين العريضة التي لم تخطو بنا إلى الأمام ولم تجعلنا حتى في نفس المستوى الفكري والثقافي الذي عشناه منذ عقود وكان له سلبياته أيضاً..


فبرغم وجود الكثير من الأفكار والأنماط التي يمكن استثمارها خاصةً مع توفر أساس نستطيع أن نبني عليه لكن حالة الفوضى هي المسيطرة حالياً، وعندما نتحدث عن الأرشيف الثقافي الثري الذي تملكه بلادنا نجد أنه مبعثر وقد يفاجأنا أن المسؤولين عن حمايته لا يدرون عنه بينما قد نجد كتباً أو لوحاتٍ أو صوراً أو اصداراتٍ كلاسيكية محفوظة لدى بعض متذوقي هذا الإرث والذين يعون قيمته جيداً في شتى ميادين الفنون والثقافة والمعرفة، والتي تشكل مرآةً أو صورة مصغرة عن نفائس أخرى في مجالات ٍ فكرية وعلمية بالغة الأهمية..


وقد تم ظلم الكثير من الأعمال الفنية حيث اختفى الكثير منها رغم أهميتها خاصةً تلك المرتبطة بذاكرة التليفزيون، سواءاً كان ذلك على صعيد برامج المنوعات أو البرامج الحوارية والتغطيات الهامة لأحداثٍ لن تتكرر أو حتى التقارير التي كانت تعد بإحترافية مروراً ببرامج الأطفال وحقل الدوبلاج سواءاً كان ذلك في المسلسلات اللاتينية أو أعمال الكارتون بشكلٍ خاص.. فلم ينظر إليها كفنٍ قيم أسوةً ببقية الفنون واندثر الكثير من ارثه الهام ما خلا بعض الحلقات المتناثرة على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي واليوتيوب.. فهذا الفن للأسف لا يوضع ضمن أي تصنيف ينصفه رغم أنه يتطلب الكثير من الجهد والتمرس في الأداء والتمثيل بالصوت كما الأعمال المتلفزة والإذاعية والسينمائية والمسرحية تماماً، كما تتطلب تدريباً وأداءاً صوتياً خاصاً يقوم بتكثيف المشاعر والإنفعالات واختزالها في الصوت ليواكبها ويعطيها حقها.. 


وبسبب وجود هذه الفوضى والتي تشكل صورة مصغرة عن الحالة العامة حصل سطو على الكثير من هذه الأعمال والتغيير فيها، فقام البعض بتحريفها وتغيير معظم سماتها وحتى أسماء الشخصيات التي اشتهرت بها، وكان من المستغرب أيضاً تواجد بعض هذه الأعمال الكلاسيكية على منصات معروفة مع تبديل الأصوات العريقة التي قامت بتأدية هذه الشخصيات وارتبطت في الأذهان بها بشكلٍ وثيق وشمل ذلك حتى جودة الصورة التي حاولوا معالجتها فأثرت على قبول الناس لها، خاصةً أن معظم هذه الأعمال حقق نجاحاً في بلادنا فاق نجاحه في بلده الأم بفضل اتقان الدبلجة وتمكن الفنانين من أدواتهم وأدائهم مما جعلها في مكانةٍ لا تقل عن أي عمل محلي..


وبرغم أننا نستنسخ التجارب الغربية في كل شيء إلا أننا لم نأخذ بعين الإعتبار احترام وتقدير تجاربنا الناجحة والأسماء التي صنعتها وشاركت فيها، ولم نتعلم احترام عالم الطفل وبرامجه وكل ما يتعلق به ولم نتعلم تصميم برامجه بحرفية ومراعاة التصنيفات العمرية والمادة التي نقدمها له مروراً ببقية المجالات، مما يؤكد الحاجة إلى تنظيم المشهد لحماية حقوق جميع المبدعين وحماية هذا الإرث من الإندثار أو العبث به والسطو عليه وانتقاله إلى أيدٍ غير أمينة أو جديرة بالتعاطي معه ووضعه في المكان الذي يستحقه ويليق به.. 




الكاتب الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب مقالًا تحت عنوان "ذاكرة مبعثرة"







Share To: