الكاتبة التونسية / شيماء العربي تكتب "أبي حبيبي الأول "




اهداء لروح أبي في قبره و لجميع الأباء 



 بقلم نازف أكتب مرارة فقد الأباء ، و خاصة للفتاة لأنني تذوقت مرارة  حسرة الغياب ...


أول رجلا فتحت عيني عليه و أول من أمسك يدي و أول من حملني في أحضانه بسعادة ، لقد كان أبي رجلا طيبا قوياً لا يخشى الحياة و ذلك لشدة ايمانه أما  أنا فلقد كنت لا أخشى الحياة و أبي فيها لانه يمسكني حين أسقط فيرفعني من جديد و يريني القمة ، أبي لم يكسر جناحي بل علمني كيف أطير ، لقد إحتضنني طفلة ، و داعب شعري بيديه الناعمتين ، فلو كان للحب وسام لكان أبي بوسام الحب جدير ، ذلك الرجل الذي لطالما شعرت بالأمان و الحنان و العطف في حضرته فلا شيء يشقيني ، لم أكن أهتم إذا كرهتني البشرية جمعاء فيكفيني حب أبي الذي لا يقدر بثمن حب صادق دون مقابل نابع من عمق القلب ، لقد كنت طفلة صغيرة حين كان أبي حيا و اليوم انني على عتبة الشيخوخة و أنا التي لم يتجاوز عمري العشرين ، اليوم و بعد غيابه قد كبرت  و شعرت حقا بالعجز ، فطفولتي إندثرت مع وفاته لحظة خروجه من البيت دون عودة ، حينها أدركت أن موت والدي كانت أعظم خساراتي ، كان يحب دائما ان يراني ناجحة قوية و ذات شخصية ، كان حلمه الوحيد أن أكون أنا سعيدة و بخير أما أنا كان حلمي أن يبقى أبي معي دائما و بغض النظر عن عمري فأنا حقا أحتاج أبي و أشتاق لأيامه التي لن تعود مهما بكيت ، تحولت كل تلك الايام الجميلة لذكريات  يعز علي نسيانها ، فالذكريات الجميلة تحولت لذكريات تؤلمني رغم علمي بمرارة الفقدان و الفراق الموجع الذي يقودني لحالة الهذيان و حالة البكاء الهيستيرية التي تنتهي بي على سرير في المشفى و بين أدوية التخدير  ، لأن مرارة الألم التي تجرعتها في فقدانه  أنستني طعم السعادة ، و متعة الوجود ، اليوم أنا عاجزة عن تصديق الرحيل و تقبل الفراق المرير  ، كيف رحلت عن الدنيا و مازلت بي ، فأنا لا يموت أبي ، ففي البيت رائحته تلازمني و تلك أشياءه نظارته التي أرتديها رغم انني أرى كل شيء ضباب امامي و لكني و مع كل ذلك الضباب أحب أن البسها كي أرى الحياة و كل الأشياء بعيني أبي ، تلك كتبه فأحب قراءتها لأنها ذات الكلمات و الحروف التي نطق بها حبيبي ، فكيف يقولون انه قد مات و انتهى الأمر ، و ملابسه التي ألبسها تذكرني به ،،، أنا لا يموت أبي ، ففي القلب يسكن و في احلامي يزورني كل يوم ليتفقدني ،اني ولله اشم ريح أبي في كل أرجاء المنزل ، روحه الطاهرة النقية تحاوطني ، و كلما أخذني  الضعف لأبكي مرارة فقده اشعر بيده تربت على كتفي ، لتواسيني على ما فعلته بي الموت  لقد حرمتني منه للأبد  فلو أحبني أهل الأرض جميعا فلا حبيب كأبي  ... 

دمت حبيب قلبي الأول و الأخير ،، ففي اللحظة التي توقف فيها قلب والدي سقط قلبي أنا ...


فرحم الله أبي و جميع الأباء و لكل فتاة فقدت أباها ، ابحثي عنه في أعماق قلبك و في ملامحك ، لأن الأباء لا يموتون في قلوب بناتهن و من ترك ذكريات جميلة لأولاده لا يموت أبدا ...


الكاتبة التونسية / شيماء العربي تكتب "أبي حبيبي الأول "


الكاتبة التونسية / شيماء العربي تكتب "أبي حبيبي الأول "




Share To: