الكاتب الصحفي الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب مقالًا تحت عنوان "مكان للحب" 


الكاتب الصحفي الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب مقالًا تحت عنوان "مكان للحب"


بعض العشاق يحلمون بقصصٍ رومانسية تجمعهم في باريس مثلاً، وربما روما أو برشلونة أو أثينا، اعتقاداً منهم أنهم سيبلغون ذروة مشاعرهم وحبهم في أحضان تلك المدن..

ولا شك أن الحب مبني على العاطفة والخيال والأحلام والأمل في واقع ٍ أجمل، لكننا لا نستطيع إنكار قسوة الحياة على الجميع خاصة ً على كل من يحب أو لديه التزامٌ تجاه من يحبهم، فالظروف اختلفت كثيراً في العقدين الأخيرين وازدادت صعوبة ً بعد أن غيرت جائحة الكورونا وجه العالم إضافة ً إلى الأحداث المتتالية في بلادنا وفي مختلف الدول.. لكن المتغيرات أيضاً لم تستثني مشاعر الناس، فعلاقات الحب والصداقة وحتى الروابط العائلية تضررت كثيراً بسبب هذا المرض الذي حمل معه تبعاتٍ اقتصادية واجتماعية ونفسية وثقافية جعلت الإنسان أكثر انغلاقاً وتحفظاً وأقل تسامحاً، وأصبح الحديث عن الحب في بعض الأحيان نوعاً من الترف الذي قد لا يجد أذناً صاغية بل وقد يواجه قدراً من الصد لإنشغال الجميع في  أولويات الحياة الأخرى في أجزاء ٍ كبيرة من العالم، حيث يشمل هذا التغير الدول الكبرى وليس فقط الدول العربية أو الدول الفقيرة والتي تواجه صراعاتٍ ونزاعاتٍ بشكلٍ مستمر، لأن التغيير طال الإنسان في حد ذاته بعد تأثره بكل تلك العوامل، ولذلك يشعر الكثير من العشاق بالإحباط وهم يرون أحلامهم تبتعد عنهم شيئاً فشيئاً.. فالبعض لا زال ينتظر.. والبعض طوى صفحة الحب.. والبعض أيضاً في حالة ٍ من الحيرة المستمرة بين إدراكه للمتغيرات على كافة الأصعدة وبين محاولته التمسك بالأمل والتفاؤل..


وعلى مدار سنوات ٍ طويلة عشت فيها قصص حبٍ لم تكتمل، صودف أن أغلبها كانت من ثقافات ٍ بعيدة عن ثقافتي الأم، وكنت أيضاً شاهداً على العديد من قصص الآخرين الذين كانوا يحكون لي مشاعرهم، أحلامهم، أمنياتهم، مخاوفهم والصعوبات التي يواجهونها والإختلافات الثقافية والإجتماعية والفوارق المادية التي تقف عقبةً في طريق سعادتهم وتهدد حبهم بالتلاشي، ووجدت أن المشكلة ليست موجودةً في الظروف بقدر ما هي موجودةٌ في الإنسان وعقليته وتفكيره وقناعاته ونظرته إلى الأشياء والآخرين، ومفهومه للحب والسعادة وطريقة تعامله مع الضغوطات المحيطة به نفسياً واجتماعياً ومادياً، حيث يرضخ للكثير منها وإن كانت عكس قناعاته ورغباته خوفاً من مواجهة تبعات رفضه مسايرة العادات والتقاليد التي تفرض الكثير من المتطلبات والقيود في اختيار شريك الحياة والشكل الذي ينبغي أن تكون عليه (كما يعتقدون)..


لكن الحب هنا ليس منفصلاً عن كل ما سبق، لذا من الطبيعي أن تتغير أيضاً طريقة تعاطينا معه إلى جانب الحفاظ على قدسيته وخصوصيته، فكل ثنائي له وضعه وقصته وظروفه التي تشبهه وتخصه وحده، ولا تقبل المقارنات مع الآخرين أو بالأجيال السابقة ولا يجب أن تكون سجينةً لنمطٍ من الأفكار والمتطلبات أو أن يتدخل فيها أحد، كما يجب أن يكون كل ثنائي على قدرٍ من الوعي والثقافة وتحمل المسؤولية والإدراك لقيمة وعمق الخطوة التي سيقدمان عليها بكل إيجابياتها وسلبياتها، فالحب ليس مرتبطاً بمكان أو وضعٍ بعينه قدر ارتباطه بنظرة كل شخص إلى شريكه وإلى طبيعة علاقتهما وحقيقة توافقهما وقدرتهما على الصمود معاً والإلتزام ببعضهما في أي مكان ٍفي العالم.. في أي مدينةٍ أو قرية..في الصحراء أو الجبل أو بقرب البحر.. لأن الحب مرتبطٌ بالإرادة والعقل والوعي كما هو مرتبط بالمشاعر ومرتبط بصدق الإحساس والتمسك به والرغبة في استمراره.. ومرتبط بالعين التي تملك وحدها القدرة على رؤية الجمال والشعور بالطمأنينة والسلام والإكتفاء بحبيبها على أي أرض وتحت أي سماء دون مقارنته بأحد..




الكاتب الصحفي الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب مقالًا تحت عنوان "مكان للحب" 






Share To: