الكاتبة السودانية / مرافئ جميل تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "غلطة أم ضحية؟" 




أنا يتيمةُ الأبوينِ و يتيمةُ العقلِ، 

أشكُ في ذلكَ لكن هذا ما أسمعهُ عني منذُ نعومة أظافري، وأنا طفلة حديثةُ المهد، ذاقت الأنات و الويلات على يد ِكل ظالمِ مستبد، في ذلك المكان المسكون بالشياطين الإنسية،و المهجور من الرأفةِ و الرحمة و الشفقة، على هؤلاءَ الجهال الذين ألقت بهم فداحةُ القدر، وظلامُ الليلِ في وجهِ ذلك السدِ المنيع، الذي يحبسُ المرءَ ولا يخرجهُ الا حطاماً منثوراً، 

يظنهُ الناظر إليه بقايا إنسان ، أنهكتهُ الحياة و تقطعت به السبل، عدتُ من هذه الذكرى المقيتة، لأسبحَ في بحرِ الذكريات 

لأصل َإلى اليومِ السعيد الذي ولدتُ فيه من جديد، في رِحم يوم أتمنى أن تكونَ جميعُ الايامِ مثله، و جميع الساعات القادمة  كساعاتهِ الثمينة، التي قضيتُ أولها كسائرِ الأيام ، في ذلكَ البناءِ المشؤوم، الذي يشمئزُ الناظرُ من رؤيتهِ

حتى منتصفِ النهار، حين طرقَ البابُ، 

و حدقنا به بلهفة ظناً منا أن أحدنا سيخرجُ مع الطارق كما العادة.

لم أكن أدري ان هذا الطرق على الباب ينطقُ بإسمي ، مع كل لمسة لِخشبةِ  الباب، تزدادُ فرحة أخواني الذين ولدتهم الأيام ،و تنمو بذرةُ الأملِ في جوفِ أفئدتهم الصغيرة، أما أنا فقدتُ الأملَ، فأنا أقدمُ نزيلِ بهذا المكانِ القاتم الفاقد لكل ما تحملهُ اللغة العربية،من مرادفاتِ  الود و الرحمة و المواساة. 

دخل الطارقُ  غرفةَالأطفالِ كما يسمونها، 

اما انا فأسميها علبة الأطفال، لأنها فعلا علبة لاتكاد تتعدى الخمسةعشر مترا! 

يبدو أن طارقنا العزيز لم يجد رغبتهُ بعد، 

إتجهَ مباشرة الئ حيث اقضي ليلي و نهاري، ملاذي الأمن من البطش و الظلم، 

القاطن في جدرانِ هذا المكان لا يبرح شبراً. 

وفجأة! 

سكنت الأصوات، و إختلَ النبضُ، و أختلجَ القلبُ، و علتِ الدهشةُ وجوهَ الوحوشِ البشرية التي تدعي البراءة 

إذ إندفعت المرأة تضمني إليها و تقبلُ وجهي، و دموعها تنهمر لتحرقَ روحي، ما هذا الشعور؟ لم يضمني أحد بهذا الحنانِ من قبل، بل لم يدسني أحد في صدرهِ قبلا ً، أهذه الأمُ التي يتغنونَ بها؟ 

نعم إنها حتماً الأم، التي تتحدثُ عنها جميعُ المخلوقات، أشعرُ بأنني طائرُ حرُ طليق فاردُ أجنحتهُ في السماءِ، أو سمكةُ صغيرة تعانقُ المياه بشوقِ أكبر في كلِ مرة ِ، كم تحرقتُ شوقاً لهذا اللقاءَوقد آن الأوانُ لهذا القلبِ أن ينبض ، وهذه العتمةِ أن تزول، و يسطعَ ضوء الشمسِ لينيرَ قتمةَ الظلام. 

لا حرمَ اللهُ أحداً من والدتهِ ولا أذاقهُ مرارةَ الفقدِ و الحرمان.



الكاتبة السودانية / مرافئ جميل تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "غلطة أم ضحية؟" 



Share To: