الكاتب والباحث الجزائري / رحموني عبد الكريم يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الـصـمــتُ قد توارى" 





قرأ العقيدُ قصةً لفقيد الأدب العربي، مصطفى لطفي المنفلوطي، يتكلم فيها عن الفضيلة ويفتش عنها، من دكان إلى دكان ومن تاجر إلى تاجر ومن رجل إلى آخر.ففتش العقيد عن المحبة المقدسة في جامعة بوزريعة، في كلية الآداب والترجمة، في المدرج وفي الفوج.فقال العقيد: قد تعثر على المحبة المزيفة والمقنعة ذات المصلحة، مصلحة الدراهم المعدودة والأثمان البخسة والمنافع الشخصية الضيقة، لم يريد العقيد هاته المحبة بل احتاج إلى حب يحمل الصدق والوفاء، عشق ذو إخلاص وصفاء، غرام دون انتهاء. فهل يجد هذا ؟

قد يكون صمت لم يفصح عنه والعقيد يطالع قصة "المحطة" للقصاص الروائي الطبيب "يوسف إدريس "، أو شعور طمس بزخرفة كلام ورونق لسان وقوة بيان، هذا هو حال البشر (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام).لا يمتلك العقيد هذه البلاغة والمحسنات حتى يزحزح هذا الصمت الجاثم عليه ويحقق له وجوده الزماني، كما فعل بطلنا في قصة "المحطة" فتمكن من العقيد وركن إليه، كأنه جليس يؤنسه في وحدته ويفرج عنه محنته، يقاسمه أفراحه وأقراحه، آلامه وآهاته.فهو صديق صدوق، مُحب لصوق، جعل العقيد في حيرة ومرية، لكن العقيد سئم منه فاجرى معه الحوار يتوسل إليه أن يتركه وشأنه يعطيه حريته فلم يجدي الحوار.

يَا لَلعَجَب من هذا الصمت، تقمص الشخصية وصعد إلى خشبة المسرح ينتظر فتح الستار فهل يقنع الجمهور بمشاعره ويغير لهم الأفكار؟

أجاب العقيد: لا اعتقد عنده أسلوب الإقناع، ولا قوة البيان ولا فصاحة اللسان، ما أن فُتح الستار، نظر إلى الجمهور برهة، وتوقف هنيهة، انكفأ لونه، رأرأ عيناه وشد لسانه فانكب خائبا لا يقدر على الكلام.

نصحه العقيد بأن لا يلعب هذا الدور فالصمت ليس له دراية بفن التراجيديا، لكنه أسر وألح على العقيد بالصعود للخشبة فما أشبه الصمت بممثل يؤدي الدور الذي حدده له القدر فقد يكون فيه مبدعاً أو مقنعاً، بائساً أو سعيداً فلتؤد الدور ولتقبله أيا كانت الأحوال فعلينا أن نحسن أداء الدور أما اختياره فليس من شأننا بل من شأن الجمهور المصغي إليك، ما وجدت أدان صاغية فلم تجني إلا البصق والشتم و تكسب التعاسة والألم.

عاود الصمت الكرة بأن يسكن ذات العقيد ويعبر إلى وجدانه فقال له: رويدك، تمهل أيها البائس المسكين لم أطق عليك صبرا، تمكنت مني أيام خلت، أما اليوم فأنا قادر على صدك، باستطاعتي مواجهتك، أرادت الخروج فحقق وجودك، اثبت جدارتك فلا تخشى الجمهور يا خليلي ولا تأبى لكلامه الجريح، هكذا البداية ولكل طموح كفاح ولكل شهرة تضحية.

نفخ العقيد في الصمت من روحه الطامحة، وأوقد فيه شعلة الحماسة ودربه على المونولوج وطلب منه أن يبتعد عن المأساة ويلجأ للملهاة.

الجمهور لا يريد الحزن، بل يحب الضحك والترفيه ويعشق الطُرفة و القهقهة. اصرف نظرك سيدي عن الدور التراجيدي وعليك بالدور الكوميدي، لعلك تتناسى همومك :

حامِلُ الهَوى تَعِبُ

يَستَخِفُّهُ الطَرَبُ

إِن بَكى يُحَقُّ لَهُ

لَيسَ ما بِهِ لَعِبُ

صه، أسكت رجاء، الجمهور البائس لا يُصغي إليك وأنت كئيب ولا يعطيك اهتمامه وأنت مكروب. نصيحتي لك أيها الصمت أرحل، سافر إلى مكان بعيد وستجد عوضا عن حبك المصيد.


  




الكاتب والباحث الجزائري / رحموني عبد الكريم يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الـصـمــتُ قد توارى" 




 

Share To: