الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان: "توجان" الحب
أذكرها،من عهد مضى ، كانت غاية في الجمال و الأناقة، لم يكن يعكر صفوها شغف هذي الايام و لا شغبها ، و لم تشوه جسدها ندوب أظافر الوحوش الضارية و الافاعي الساعية و لم تتجمل بغير كسائها الأصيل و الهواء العليل و الكحل الكحيل و شذى الإكليل..
كانت باقة من الورد الملون و سحرا من الروائح العطرة و خليطا من مشاعر قوية و قلوب نقية و أواصر متينة.. كنت أراها نائمة على الجبال.. تفترش أنين الجدب و تزهو بصوت الرعود و الشآبيب و تنظر من مسام الأرض نمو البذور ، كنت أحب النظر الى أذرعها و هي تحتضن الأودية و النخيل و الزيتون و التين ، كانت صلبة المكسر ، لطيفة الحضن ، رقيقة الشعور ، معطاء بيمناها بكل سخاء و ثبور..
ذاع صيتها إلى أقاصي الأرض،فهب إليها الشعراء و الأدباء و العشاق و الرسامون طلبا للمشاهد الجذابة ،فأسرتهم و اجبرتهم على العودة و الاعادة لمزيد المتعة و الإفادة.
لم تهنأ القلوب بجمالها و هندسة بنيانها ، فخاطت لها اللحظة المزاجية، ثوبا مختصرا و كفكفت عيونها الجارية و باعت وردها النابت على الجدران و رسمها المصورون في لوحة معرض ليتفرج عليه أصحاب القرار و يدخلوها بيت النظام ،ليصبح الحب فيها بقرار و الدمع بقرار و الشعر فيها بقرار ...و القرار يكون بعد المداولة ..و المداولة بعد اللحم المشوي و العسل الجبلي و بعض الحلوى ...ذبل زهر ربيعها و زاد وخز صقيعها و نامت على الجبل الأجرد تلوك قصص أهلها و ترتق بقايا كساويها ..
تلك المفخرة...ريفية الاوتاد ،سليلة حقب الأجداد ...تسير مرغمة إلى سوق الجواري ، ترمقها أعين السماسرة و تنهشها نوايا الذئاب المترصدة ...ارتبكت و ارتعشت و نادت أهلها ليروا ما جرى من أمر مغازليها و فضاضة سائميها ..تجمع أهلها و صفقوا و عقدوا اللقاءات و رددوا الهتافات و الشعارات و زغردوا ...و حين أرادوا التوقيع على قرطاس البيعة ...جف حبر المحبرة../..
الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان: "توجان" الحب
Post A Comment: