الأديب التونسي / البشير عبيد يكتب قصيدة تحت عنوان "مرايا الحكواتي الأخير" 




في الكتب القديمة اشراقات و هواجس

و في البيت المفعم بالحنين

صيحات و رؤى

لم تكن القوافل الاتية من بعيد

ذاهلة

و الفيافي صامتة

ليس لهم من خيار سوى الذهاب

إلى السراب قبل مغيب المرحلة

ليس لهم دفاتر يكتبون على صفحاتها

هروبهم من العاصفة

و ارتماء الجسد في النهر المتاخم

للضباب

هنا كانوا يسالون القوافل

عن دهشة الرؤيا

واقتراب المراكب من المرافىء


قادماً من بعيد و تاخذه خطاه

إلى الينابيع

كانه الرجل الجسور الاتي من فيافي

الزمان

منفتحا على كل الجهات

و مرتبكا تراه العيون حين تمر الجموع

هذه مقصلة أم بوصلة ؟

يسالني الرجل الشريد قبل الغروب

اسمي البلاد نافذة للحلم المستحيل

و الانامل تكتب الوصايا للصبايا

قبل ذهاب الفتيان إلى المعركة

كيف صار بامكان  الفتى ان يسير و جيدا 

و لا ترتبك الاصابع ؟

كيف نام الولد الكسيح على رصيف

السور القديم ؟

و غاب عن المشهد صهيل الخيول

الأمنيات هي البوصلة

والذكريات هي الروح الطالعة إلى الاعالي 


لا صوت يعلو فوق صوت السنبلة

هنا ارق اللغات و ذاكرة الحناجر 

في الضفة الأخرى من المكان القصي

تباغتنا الفصول بامطار الذهول

و اخضرار المسافة بين الصوت و الصدى

غريب هذا الفتى و لا يزعجه الزحام

صامتا تراه العيون 

و الايادي ترفع الرايات قبيل مجيء

العاصفة

ليس كل ما تقوله الاناشيد ذهاب بالكلام

للامنيات

بل عناق الجريح و الاسير الأخير

هو البوصلة


في الكتب القديمة اشراقات و هواجس

 و في الضفة الأخرى اقاليم منسية

الفتى القروي يكتب على الدفتر المدرسي:

لا أخاف من غيوم المرحلة

يداي تلمس ورقات السنديان

و خطاي على الجمر

في شهر اذار يزهر اللوز و نوارة الروح

في الشارع القديم يكتب الحكواتي :

لست معاديا للقوافل 

لست خصما للنشيد الاتي من بعيد

لست شريدا و لا عنيدا مثلما كتبته التقارير...

يداي تسبق خطاي

و لست هاربا من ذاكرة الانحياز

لي في المرايا طقوس

و لي في البلاد أولاد و أحفاد لا يخافون 

من بريق  العاصمة




الأديب التونسي / البشير عبيد يكتب قصيدة تحت عنوان "مرايا الحكواتي الأخير" 




Share To: