الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "صاحب سوء الحظ" 




منذ صباي ،كان الجميع يسخر مني ،ومن تصرفاتي الطائشة ، أكثر من مرة قيل لي :

-أتيت الحياة لتتعذب  ، لا لتعيش .


حياتي تسير كما لا أريد ،كل شيء يسير باتجاه معكوس ،الحياة هي هذه ،فيها تناقضات كثيرة ،الإنسان لا يمكن أن يعيش كما يريد . هذا ما كنت أسمعه . أواسي نفسي بالكلام الذي ينفع  ،ولا ينفع في الكثير من الأوقات .


أتعثر ،وأتعثر . أصاب بالقهر ،والعجز عن فهم واقعي القذر . أرى الذين هم في عمري  يعيشون حياة ،خالية من الآلام والأحزان . أقربائي أيضا ،أقل ألما مني . أسألني في كل يوم :

-أحقا انت سيء حظ لهذه الدرجة ؟ ،ألن تبتسم لك الحياة يوما ؟

أحمل للأسئلة جوابا فيه الكثير من الأمل ،الأمل به يعيش الإنسان . أحلم ،وأحلم . أحيانا أعيش الحلم كثيرا ،أتصوره حقيقة ،وواقعا . 


جلست في المقهى ،أشعلت الهاتف ، وأطفأته ،لم يكن لي به شغل ،الذين أعرفهم ،فروا مني ،تأكدوا انني شخص سيء الحظ ،يخافون أن أنقل منهم العدوى . أبدو لهم متشائما ،وشخص لا شيء يربطه بالحياة  ،جثة هامدة ،تواكب الوهم ،وتنتظر الموت . 


لم أطلب قهوة سوداء ،كما أفعل دوما ،النادل تركني ،ربما رآني حزينا ،واحترم حزني . مضى وقت طويل ،أتاني بالقهوة التي أشرب . سلم علي ،تبسم في وجهي ،اصطنعت ابتسامة . أديت ثمنها . حدق بي ،وقال لي ضاحكا :

-وجهك عبوس ،يبدوا أن الحياة أنهكتك ،وربما حظك سيء فيها . 


لم أجبه ،ضحكت . مضى ليواكب عمله ،يوزع الشاي ،والقهوة على الرواد . خادمة في الداخل سمعتها تقول :

-الرواد يطلبون الشاي أكثر القهوة ،تبا لهم ،وتبا لي ،وتبا لللحياة التي جعلتني أكون هنا قساوة الحياة اجتمعت علي ...


قالت الكثير ،تتكلم ،وتسب،وتسب ،تسب نفسها ،أبويها ،تسب العالم ،وتسب أيضا رب العمل ،وتسب أكثر الوطن الذي همشها .

لم أنظر إليها ،ولم يكن فضولا لأرى وجه هذه التي تحتج ،وجوه الفقراء والمهمشين  معروفة ،أعرفها جيدا ،لقد عشت معهم كثيرا . 


دخلت فتاة سمراء ،دارت على جميع الجالسين ،تمد يدها للجميع ،القليل من مد لها دراهم ،والكثير من نظر إليها باستهزاء . اقتربت إلي ، مددت لها خمسة دراهم ، ظلت تنظر إلي ،عيناها كبيرتين ،تبتسم ،رغم الوجع ،وسوء الحظ . رأت قلما على الطاولة ،أخذته ،كتبت به في يدها . كتبت شيئا ،لم أره بوضوح ،ربما كتبت إسمها ،او إسم أمها . الناس يحبون أمهاتهم ،أكثر مما يحبون أنفسهم ،والأمهات يحبن أبناءهم أكثر مما يحبون أنفسهم . ومن يحب أكثر ! 

الأمهات حبهن صادق ،أم الأولاد ؟


معادلة صعبة ،قلت لصديقي يوما :أمهاتنا يحبوننا أكثر مما نحبهن ،وهن صادقات في ذلك .

لم يوافقني . 


طلبت مني أخذ القلم ،أعطيته إياها ،شكرتني ومضت .


قساوة الحياة  ،رأيتها في عينيها . لكن لم يكن لي ما أغيره ،الفقراء كثر ،وأصحاب سوء حظ أكثر بكثير . لم أستطع أن أغير ما أعيشه . اليل على وشك أن ينتصف ،نهضت ،أحسست بألم قوي في قدمي . شربت قنينة ماء وخرجت . ظلام ظلام ،المدينة أصبحت ظلاما ،وأنا ظلام  .

قلبي ظلام 

حياتي ظلام 

وطني يشع ظلاما .


صعدت الدرج في ظلام ،صعدت ببطء ،خفت أن يحدث معي شيء ،يكفي ما حدث معي فيما مضى . لست مستعدا لوعكة صحية ،او مرض ما . جسدي دمرته ،وعلى وشك ،أن أطرح أرضا . أتمشى بصعوبة ،ربما شخت قبل الأوان . 


سمعت أكثر من مرة :جيل اليوم جيل ضائع ،لا يعيش  ،يشيخ قبل الأوان .

لا أكاد أصدق ،حينما أرى الشباب ،يرقصون فرحا ،يعيشون الحياة كلها ،ولا يتركون أي شيء يتسلل لداخلهم ،لينغص عليهم الحياة .يضحكون في الشوارع ،لهم أمل كبير ،وربما أيقنوا أن الحياة علينا أن نواجهها بابتسامة عريضة ،كي تنصفنا . 


وصلت إلى الغرفة متعبا ،جلست قدام الباب  ،تأملت المدينة ،وتأملتني أكثر . بدوتني شخصا غامضا ،لا يستحق كل هذا الألم . قال لي صديق قريب ،أكثر من مرة :

-براءتك هي سبب تعاستك،عليك أن تكون خشنا كي تعيش في هذا الزمن المتغير .

هو محقا ،لم أتعلم كيف أكون قاس مع العالم ،ومع الأقرباء . 


فتحت باب الغرفة  ،وجدت في الباب ورقة ،أخذتها ،قرأت :

-حظك ليس سيئا ،تتوهم ذلك لا غير




الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "صاحب سوء الحظ"



Share To: