الكاتبة السودانية / دان حاتم تكتب نصًا تحت عنوان "الشوارع بلا أفواه" 


الكاتبة السودانية / دان حاتم تكتب نصًا تحت عنوان "الشوارع بلا أفواه"



 أما بعد:


فقد تلاشت الأحلام، وغُلَّت الأيادي كما الأسرى في الحرب، هَرِم الجسد، وعَجِز اللسان عن الكلام. توقفت البصيرة عن الرؤى، فأصبحت بلهاء الخُطى.


 نسجَ الخيالُ تصوراتٍ حمقاء لحاضر لم يأتِ، وموعد لن يقام، تشنجت الأنمُلة وأصابها لسع الصقيع، معلناً حضور شهر الحنينِ والاشتياق. تغير لون أناملي ومالت للقرمزي. 


حينها قررت أن أحتسي كوباً من القهوة على شرفة (الوحشة) المليئة بأوراق الخريف الذي بدأ بالاندثار.

جلستُ على مسند الذكريات، تأملتُ الشوارع، رأيت في بيوتها الحزن، وفي جدرانها الأسى.


فهي؛ 

تنصت للوعود الكاذبة، زيف العهد، اختلاق الأعذار، لفْقُ الكلمات المعسولة، وزور الحلفان.


تنصت جيداً للحديث، تتألم، تتوجع، وتحزن، تتمنى لو تخبرنا بغفلة الظن الجميل.

لكنها لا تستطيع؛ فهي وهنة، خرساء لم تنطق يوماً بكلمة؛ فإن نطقت - وَشَت - وأخبرت المُحبين بطعن الأحبة، لتحترق قلوبهم دون رحمة. لهذا ولدتِ الشوارع بلا أفواه؛ بكماء ... وبينما ينشغل ابناء آدم بمشاحنات، ومعارك لومِ النفس ومواساتها.


تدور الأيام، تمر الليالي، تنقضي السنوات من تأريخ الوعد المغشوش.  

نعود لشوارعٍ نظنها مخادعة، لعبت بأحاسيسنا ولم تخبرنا بما أبصرت، نعود لأنها شاهدنا الوحيد علي الهوى، نُسمِعُها الأنين، وأننا لم نخلف العهد. لكنها الأيام؛ أقامت الحواجز ونصبت (المتاريس).

نبرر، ونطلق الأعذار، مدعين الصدق، نتمنى أن تربت الشوارع على كتوفنا، وأن تضمنا بحنو تحت جناحها. لكنها لا تفعل، لأنها كانت تعلم بكل شيء!




الكاتبة السودانية / دان حاتم تكتب نصًا تحت عنوان "الشوارع بلا أفواه" 


Share To: