الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "وا إسلاماه"
كثيرًا ما أتوقف عند قصص الخلفاء الراشدين، واتأمل أحوال الناس في فترة حُكام المسلمين الأوائل، وأين عمر بن الخطاب في أمتنا اليوم، أليسو هم القدوة التي ينبغي السير على نهجهم، أليست الغاية من وجودنا و وجودهم واحدة، لماذا اختلفنا عنهم؟! هل الاسلام تحول في عصرنا هذا إلى عبادات فقط، أين نحن من تطبيق الدين في حياتنا وإنزاله الى واقعنا حتى ننعم بالعدل والخير والرخاء.
للأسف يندُر جدًا في هذا الزمان أن تجد حاكمًا أو مسؤلًا في بلاد المسلمين يعي بأنه موجود لخدمة الناس وتذليل مصاعبهم، و لا يتعالى عليهم أو يستغل منصبه لمصالح شخصية على حساب منفعة الناس العامة، ألا يعلم أولئك المتوسدون على كراسي الحكم والمسؤولية أن خدمة الشعب من الدين، وأن خلفاء الأمة الإسلامية وحكامها الأوائل قد ضربوا الأمثلة التي ينبغي أن يُحتذى بها، في الحرص على أداء أمانة التكليف والتخفيف على الناس، وأن ذلك الفعل لا يقل أهمية عن اداء الفروض الدينية في الإسلام كالصلاة والصوم، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يجد عذرًا لأي مسؤول يتسبب في معاناة الناس وقال: ( من وليَّ من أمر أمتي شيئًا فشقّ عليهم اللهم فاشقُق عليه).
أين نحن من قول الفاروق عمر بن الخطاب (لو عثرت بغلة في العراق سيسألني الله عنها لِمّ لم تُعبِّد لها الطريق)، فكم من طرق وشوارع بلادنا اليوم يتعثر فيها ملايين البشر و تحصد أرواح الأبرياء لأن الحُكام مشغولين عن الناس بأنفسهم، وكأنهم يجلسون على كراسي شركاتهم أو مؤسساتهم التي ورثوها عن اجدادهم وليس بلدًا وبشرًا تحت رعايتهم وسيحاسبون عن كل تقصير في حق هؤلاء الرعايا وسيقتص الله منهم لكل من عانى شظف عيشٍ في بلد لا ينقصه إلا الإدارة الجيدة لموارده والهمة التي تقود إلى القمة بإذن الله.
أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، عزل واليًا له على حمص يُدعى "شريك"، فجاء الى أمير المؤمنين يسأله عن السبب فقال له عمر بن عبد العزيز: (رأيتك تجلس في الظل والناس يقفون صفًا في الشمس، فعلمت أنه لا رحمة فيك)، هذه القصة وكأنها تمثل حال الشعب السوداني اليوم المُتراص في الصفوف بكل مكان، دون أن يرأف على حاله أحد من السادة وُلاة الأمر، في ذات الوقت الذي لا نرى منهم أحدًا في صف أو يعاني في الحصول على غاز أو جاز أو كهرباء.
من أعجب ما قرأت، قصة كسرى ملك الفرس الذي سمع بعمر بن الخطاب وقوته فأرسل له رسولًا يستطلع أخباره، فجاء رسول كسرى يسأل عن عمر فوجده نائمًا تحت ظل شجرة تحت رأسه كومة من تراب، متوسدًا يمينه ويغط في نومٍ عميق، فتعجب رسول كسرى مما رأى وتساءل أهذا الذي يهابه ملوك الدنيا ويخشون بطشه، فاقترب منه وقال: "حكمت فعدلت فأمِنت فنمت"، وكانت من أجمل وأصدق ما قيل، تلك العبارة التي التقطها حافظ ابراهيم وقال في حق الفاروق عمر بن الخطاب:
وراع صاحب كسرى أن رأى عمراً
بين الرعية عطلا وهو راعيها
وعهده بملوك الفرس أن لها
سوراً من الجند والحراس تحميها
رآه مستغرقاً في نومه فرأى
فيه الجلالة في أسمى معانيها
فوق الثَرى تحت ظلِ الدوحِ مشتملاً
بِبُردةٍ كاد طول العهد يبليها
فهان في عينه ما كان يِكبُرُه
من الأكاسرِ والدنيا بأيديها
وقال قولةَ حقٍ أصبحت مثلاً
وأصبح الجيلُ بعد الجيلِ يرويها
أمِنت لمّا أقمت العدل بينهُمُ
فنِمت نوم قريرِ العينِ هانيها.
الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "وا إسلاماه"
Post A Comment: