الكاتبة السودانية / هديل السر الرضي تكتب نصًا تحت عنوان "عندما يموت عزيز" 


الكاتبة السودانية / هديل السر الرضي تكتب نصًا تحت عنوان "عندما يموت عزيز"



عندما يموت عزيز.،، تمر ساعات الفراق الأولى بلا وعي ، تجد نفسك مضطرا للمواجهه .عاجزا عن التصديق تحاول أن تتماسك، تتأرجح بين واقع يصفعك كل ثانية بالحقيقة وخيال يريح قلبك من كل ما يحدث، تستسلم لهذا الاحساس تارة ولذاك تارة أخرى، تقلب في الصور توجد ضحكته مبهجة، وكأنه مازال هنا بلحم ودم يكاد يخرج من الصورة، تتخيله نابضا بالحياة التي فارقها للتو، ينهكك البكاء والسهر وتتعبك مشاعر الفقد فتستسلم للنوم..

في نومك تمني نفسك بلقاء تلملم فيه خيالك وتراجع ملامح من فقدت، تستيقظ تداوي روحك بالنبش في رسائله الأخيرة، تقرأها بشكل مختلف وكأنك لم تشاهدها من قبل، تعيد القراءة مرات عديدة، وتحفظ سطورا بعينها وتعيد نسخها أمام عينيك،

تسند رأسك على حائط وتبكي بكاء حارا، تتبادل معه حوارا لم يحدث، وتترجا طلبا للقاء أخير، وتنهي مناجاتك بدعاء صادق بالرحمة الواسعة.

تعيدك التفاصيل البسيطة الكثيرة إلى أيام مرت، تتذكره في كل ما يحدث، تردد كلامه من دون أن تدري، تبحث في ملابسه وتشمها لعلك تجد ريحته ، وتتذكر تلك الأشياء التي فقدتها ، تتلمسه فيما حولك وتسمع ضحكاته تتردد في أذنيك، تلتفت فلا تجد أحدا، تبكي حتى تشعر بالراحة وتناجي ربك طالبا العفو والمغفرة

فيخاصمك النوم، تقلب في صوره مجددا ولكن هذه المرة بتأني، تبتسم وتتذكر متى كانت هذه وأين التقطت تلك، تشعر بوخز في قلبك.

تعيش في حالة لم تتوقعها، تحكي عنه، تراقب ما يقوله الناس عنه، تبحث في وجهوههم عما كان يحكيه عنهم، تنظر للسماء وتدرك أنه يراك تبتسم وتمضي في طريقك، عندما تستيقظ من نومك بعد زيارة خاطفة له في أحلامك ضاحكا كما كنت تعرفه، تتسع ابتسامتك وتتأكد أنه يشعر بك

للموت هيبة تستحق التأمل ولكن الفراق هلاك، تتأرجح روحك بين رغبة قوية في تقدير الموت والحزن على فراق من رحل وبين حياتك التي يجب أن تستمر لأنها حبل سري لحياة آخرين، تتفكر في حكمة الله بإبقائك حيا، وتتمنى لو رحلت أنت وكل من تحب في ذات اللحظة، تتمهل قليلا، تسمع أنفاسك تتلاحق، تدرك أن هناك أسبابا خفية لكونك على قيد الحياة، تسجد لله طالبا المزيد من الصبر. يارب الصبر  

تتوالى الأيام وتتكرر أفعالك، تحاول أن تقنع نفسك أنه لم يعد هنا مجددا، تشاهد هاتفه صامتا وملابسه نظيفة ودولابه منظما لدرجة الموت، تتعامل معه بصفته صديقك السماوي، الموجود في عقلك أنت تستسلم للنوم ويعاود زياراته في منامك، تبحث عن تفسير لما جاء في الحلم، تطمئن عليه، تشعر أنك لم تخبره بالكثير من الأشياء التي كان يجب أن يعرفها، تقرر أن تهديه كل يوم حكاية من تلك التي تمنى أن يسمعها منك، تسامح نفسك تدريجيا عن ذنوب لم تقترفها، تصادق الموت وتشعر به حولك، تتفكر فيما يحدث حتى تعتاد الحياة مجددا ولكنها حياة أخرى غير تلك التي عرفتها من قبل أو ربما لم تعد أنت كما كنت، وتصبح كأنك تعيش ميتا، أو تموت حيا. 



الكاتبة السودانية / هديل السر الرضي تكتب نصًا تحت عنوان "عندما يموت عزيز" 



Share To: