الكاتبة المغربية / نجاة زين الدين تكتب مقالًا تحت عنوان "شيرين.. أيقونة الصحافة العربية" 




من هنا و من هناك ارتفعت أصوات الحرية الصادقة و المنافقة، العفوية و الإنسانية، المحلية و الدولية...مطالبة المنتظم الدولي بتحمل مسؤوليته إزاء مقتل الشهيدة شيرين أبو عقلة...هاته الأخيرة التي قضت مضجع الكيان الصهيوني في مماتها كما في حياتها...كيان، يظهر مدى غطرسته و جبنه من خلال بربرية تعاطيه مع ثابوت نعشها، و خوفه منها و هي جثة هامدة ممددة في صندوقها الخشبي...من خلال ارتباكه في طريقة تعاطيه مع الحشد الهائل من الفلسطينيين الذين هبوا من كل فلسطين السليبة ليحضروا مراسيم الدفن لأشجع صحافية، أحبها الجميع و دخلت بيوت و قلوب كل العرب بدون استئذان لتواضعها و نزاهة كلمتها، بحيث سخرت كل حياتها لخدمة قضية العرب الأولى: القضية الفلسطينية التي تخاذل الكثير في الدفاع عنها، بل خانوها من خلال التطبيع السري و المعلن مع الكيان الصهيوني دون خجل...فكل هذا الإرتباك، لا يعكس إلا شيئا واحدا هو الخوف من قرب نهاية إستبداد إحتلاله الغاشم الذي فجر ثورة الفلسطينيين من جديد، بالرغم من استهدافهم بتقتيلهم و اعتقالهم و تهجيرهم من ديارهم قسرا و كذلك من خلال إعدام أصوات الكلمة الملتزمة بإقتناص رؤوس و رموز الإعلام الجاد الذي توحد بالقضية بكل نكران للذات، و إصرار على الإنتصار لايمانهَم المطلق بعدالة قضيتهَم...و كل ذلك لم يكن ليتسنى لهم، لولا ركوب المخاطر و المقامرة و المغامرة بحياتهم  من أجل توثيق جرائم إسرائيل النكراء...و مجازرها الشنعاء...

و اليوم و ككل أيام سينين الإحتلال، و منذ تواجدها بالأراضي الفلسطينية الطاهرة، الصامدة، تضع قوات الإحتلال الإسرائيلي نفسها، داخل فلسطين و خارجها، في موقف لا تحسد عليه بالرغم من الأكاذيب المقدمة و التبريرات المزيفة، التي حاولت بها تحريف حقيقة جريمتها الصاعقة، التي ستكون بلاشك جريمة فصل، حاسمة لما قبل إغتيال شيرين و ما بعده...

هاهي اليوم شيرين تمكنت من توحيد صفوف كل الفلسطينيين، و كل العرب...و جسدت بحق ما رددته دائما بلسان حالها:"أيا فلسطينيو بلادي توحدوا...."

هاهي اليوم تكتب أخر تقاريرها بدمها بكل صدق و بسالة، فجعلت كل أجراس الكنائس بكل فلسطين و بالقدس خصوصا: زهرة المدائن، مسقط رأسها، تقرع لتشييع جنازتها و مآذن المساجد تنادي للصلاة في حزن دفين و ألم رهيب...لتودع بأرضها و ثراها كمشتل ثورة عاصفة ستهب بكل الأراضي العربية لا محالة، لتحرير مركز الديانات السماوية الثلاث، من بطش العدو الإرهابي الماكر...و ظلمه الفاجر...

هاهي اليوم تفك شفرات الخوف التي  حاول الموساد و كل أذياله زرعها بلوبياته و تخطيطاته منذ ما قبل 1948م، فأعادت لانتفاضة شعب الجبارين وهجها..

ها هي اليوم شيرين النقية الثقية، الإنسانية الراقية تبكي الجميع و تفك قيود الرجعية و تكسر سلاسل الخوف و القمع...و تزرع بأرض القدس المحتلة بذرة ثورة جديدة، ستكون مما لا يدع مجالا للشك خالدة و مجيدة، لانها هذه المرة ستتفجر من بركان غضب و أحزان شديدة... 

هاهي اليوم تعري هشاشة بنائه  من خلال خوفه البادي على كل ملامح قواته الجبانة...التي فقدت توازنها، و بدأت تضرب خبط عشواء في صفوف المشيعين لجثمان الوردة الطيبة الجميلة، لإسكات حناجرهم التي لم تتوقف عن ترديد شعار واحد و موحد لكل الصفوف: لا عليك يا شيرين سنواصل الكفاح... 

و هاهي اليوم تعلنها ثورة بنعشها كما أعلنتها دوما بصوتها...ليكون موتها هو فتيل التمرد على استسلامية كل الأنظمة العربية، التي باعت القضية و تناست المباديء الكونية للوطنية و للقومية العربية و للإنسانية ...

و الآن لا يسعنا إلا أن ندعو لأيقونة الصحافة العربية، بالرحمة و المغفرة، و نعدها بأن مسيرة الألف ميل التي استهلت مشوارها  مع كل شهيدات و شهداء فلسطين الأبية، أنه منذ الدقائق الأولى لجريمة اغتيالها قد تغيرت مناهج عملها، لأن كل جماهير شعبها استخلصت الدرس: و أمنت بأن توحيد الصفوف و نبذ الخلافات الضيقة هو السبيل الوحيد لتحرير اراضيك الزكية... و أكيد أن الدعم المخزي للمنتظم الدولي للكيان الغاصب سيتوقف و ستندحر سياسته القائمة على الكيل بمكيالين، لأن كم بيانات التنديد و الشجب العربي و الغربي، و مناقشات مجلس الأمن الدولي وجدت نفسها مضطرة للحديث بصورة مسهبة عن مقتل شمعة الحق، بسبب الخطأ الفادح الذي ارتكبته قوات الإحتلال عند اغتيالها و عند مهاجمة نعش البطلة، هذا الفعل المقزز، الذي جعل ازدراء العالم برمته للكيان الصهيوني يخلخل سكوته، و يلزمه بالخروج عن صمته، و التعبير عن استنكاره بصورة مباشرة و واضحة لأن الوضع فاق حدود التصور...و التحمل...و لم يعد يقبل الإذعان لأوامره و لا لتلاعباته و لن يسكت بعد اليوم لهذا الاستعمار الذي طال أمده...



الكاتبة المغربية / نجاة زين الدين تكتب مقالًا تحت عنوان "شيرين.. أيقونة الصحافة العربية" 



Share To: