الأديب السوري / عبد الكريم سيفو يكتب قصيدة تحت عنوان "عصفور في قفص" 




ما زلتُ يا صغيرتي

أرتّبُ الأحلام خلف سجنيَ الصغيرِ مرهقاً

أهندم الدموعَ كلما ارتديتها

فكلّها موثّقهْ

وأمسح القضبان كلَّ ساعةٍ

لكي تظلَّ صورتي لامعةً

على جدار صمتها معلَّقهْ

فالنور لم يزلْ يزورني

ومثله الهواءُ ..

رغم عيشتي في شرْنقهْ

لا شيء يستحقّ أنْ أذكرهُ ...

لطالما كلّ الفصول أجدبتْ

ولم تعدْ أشجار حرفي مورقهْ

ها أنذا أرمّم الكلامَ ...

كي أرسله إليكِ دون غصّةٍ

وأكتب القصائد التي أعيدها هنا

للمرّة الألف بلا تردّدٍ

حكايةً ممجوجةً بصورةٍ منمّقهْ

عند الصباح ينهض الشقاء في دمي

ويبدأ السؤال : من أنا ؟

أغسل وجهي

متعَباً من نظرة المرآةِ ...

وهي ترمق الخطوط فوق جبهتي

لعلّها , ودون أن أدري  

تريد جمْعَ صورتي الـ غدت مُمزَّقهْ

لا غيرها يفهم سِرَّ صمتيَ اللعينِ ...

حين صدفةً تقرؤني

فلم تزلْ صديقتي

وهي التي تخبرني بحالتي

تقول : صارت يا صديقي مقلِقهْ

يمضي النهار أعرجَ الخُطى

كأنّ كلّ لحظةٍ بطول عامْ

لا أحدٌ يُقرؤني السلامْ

ولا أرى غيرَ الذي يجيء بالطعامْ

كأنّني مُتّهَمٌ بالزندقهْ

حتى إذا جاء المساء مبطئاً

ما أصعب الذي يطلّ بالمساءْ

تنهشني ذكرى الذين قد مضوا محمَّلين بالرجاءْ

لكنهم ماتوا جميعاً

دون أن يزورهم رجاءْ

فهل أكون مثلهم ؟

لا وقت للتفكير عندي بالبقاءْ

وكيف تزهر الحقول مرّةً من دون ماءْ ؟

وهل غداً يجيء يومٌ ماطرٌ ؟

ولا غيوم في السماءْ

كفرتُ يا صغيرتي

فلا تلومي لو نفاني الأتقياءْ

فها أنا ممدّدٌ

ولا أرى في العتم إلّا داخلي

مزدحماً بكلّ ما أحمله من الشقاءْ

وصورةِ الأحبابِ ...

يهرعون صوب المحرقهْ

ما بالهم وجوههم مُزَوّقهْ ؟

لا تسألي إلى متى ؟

لطالما نجترّ فكراً بائداً

نموت ألفاً كلّ يومٍ

ثم نرجو في الليالي المغفرهْ

وفي الصباح نعقد الأفراحَ , والدبكةَ ...

والجميع قد غدوا كعنترهْ

يا ذلَّنا

لا شيء في انتظارنا

سوى نداء المقبرهْ

فلْترقصوا

قد تخجل القرود من أفعالنا المستنكَرهْ

يا أيها الماضون نحو الموت دون صرخةٍ

ظلّوا إذنْ كالمومياءِ ...

جثّةً بأعينٍ محدِّقهْ

ولْتتركوني ها هنا

في قفصي اللعين أكتفي بدمعةٍ غدتْ مختنقهْ

لا تفتحوا باب القفصْ

كل الطيور أعلنت عصيانها

فلن أطير طالما هذي السماء مغلَقهْ

وسوف تبقى مثل قلبي ... 

والبلادِ ...

مغلَقهْ




الأديب السوري / عبد الكريم سيفو يكتب قصيدة تحت عنوان "عصفور في قفص" 


Share To: