فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "هي عشر مباركات"
في هذه العشر يجتمع من العبادات ما لا يجتمع في غيرها فهي أيام كمال وشرف ، فتجتمع فيها الصلوات والصدقات والصيام والهدى والأضاحي وفيها الحج إلى البيت الحرام وفيها التكبير والذكر والتلبية والدعاء .
عشرُ ذي الحجة :
هي عشر مباركات كثيرة الحسنات ، عالية الدرجات متنوعة الطاعات .
أقسم الله تعالى بها فقال :
{والفجر. وَلَيالٍ عَشْرٍ}
[الفجر: 1:2]
في هذه العشر أكمل الله لنا الدين ؛ فيها نزلَ قولُ الله تعالى :
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً}
[المائدة:3]
نزلت في يوم عرفة وهو اليومُ التاسعُ من ذي الحجة وهو يوم مجيد معروف بالفضل وكثرة الأجور وغفران الذنوب .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا أو أمة من النار من يوم عرفة» .
في هذه العشر يجتمع من العبادات ما لا يجتمع في غيرها ، فهي أيام كمال وشرف فتجتمع فيها الصلوات والصدقات والصيام والهدى والأضاحي وفيها الحج إلى البيت الحرام وفيها التكبير والذكر والتلبية والدعاء .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
«ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام يعني أيام العشر .
قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟
قال : ولا الجهاد في سبيل الله ؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء » .
[صحيح أبي داواد: 2438]
ختام هذه العشر يومُ النحر وهو اليومُ العاشر من ذي الحجة وهو أفضل الأيام كما في الحديث :
« أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القَرّ » .
[صحيح الجامع: 1064]
ويوم القَرّ هو اليوم الحادي عشر ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر وهو يوم العيد ؛ وفيه الكثير من أعمال الحج كرمي الجمرة والحلقِ وذبح الهدي والطواف والسعي، وفيه صلاة العيد واجتماع المسلمين فيها ؛ وتهنئة بعضهم بعضًا وفيه التقرب بذبح الأضاحي .
فضائل العشر كثيرة لذا ينبغي أن نغتنمها وأن نسابق إلى الخيرات فيها .
روى الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
« ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد » .
[مسند أحمد: 7/224]
وكان أبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهما إذ دخلت عشرُ ذي الحجة يخرجان إلى السوق يكبران فإذا سمعهم الناس تذكروا التكبير فكبروا كلُّ واحد على حدته وهذا التكبير المطلق .
أما التكبير المقيد بأدبار الصلوات فيوم العيد وأيام التشريق ويبدأ غير الحاج من فجر يوم عرفة .
ويُكثِرُ مع التكبير من التسبيح والتهليل والتحميد وقراءة القرآن فإنه أفضل الذكر وفيه الهدى والرحمة والبركة .
ومما يندب فعلُه في هذه العشر الإكثار من نوافل الصلوات بعد الفرائض كالرواتب التي قبل الفرائض وبعدها وصلاةِ الليل وصلاةِ الضحى وغيرها .
فالمحافظة على النوافل مع كونها تُكْمِلُ النقصَ وتجبر الكسر وتسد الخلل فهي سبب من أسباب محبة الله ومن شملته محبة الله حفظه وأجاب دعاءه ورفع مقامه .
ومما يندب فعلُه في هذه العشر الإكثار من الصدقة :
إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقةِ في رمضان وما أكثر حاجات الناس في هذه العشر من النفقة والاستعداد للحج والعيد وطلب الأضحية وغيرها وبالصدقة يَنالُ العبدُ البرَّ ويضاعَفُ له الأجرُ ؛ وتُفتح له أبواب الخير وتُغلق عنه أبواب الشر ، وبها يحبه الله ويحبه الخلق ويكون بها رحيماً رفيقاً وبها يزكِّي مالَه فتزكو نفسُه ويُغفر ذنبه ويتحرر من عبودية الدرهم والدينار ويحفظه الله في نفسه ومـاله وولده ؛ ويسعده في دنياه وآخرته .
ومما يندب فعلُه في هذه العشر :
الإكثار من الصيام فلو صام بعضَ الأيام التسعة أو كلَّها لكان ذلك مشروعاً ، لأن الصيام من العمل الصالح ، وآكدها اليومُ التاسع لغير الحاج .
روى مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله » .
[سنن الترمذي: 749]
إن أفضل الأعمال الصالحة في هذه الأيام الإهلالَ والتقربَ إلى الله بالحج .
روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أي العمل أفضل ؟
قال : إيمان بالله ورسوله .
قيل : ثم ماذا ؟
قال : الجهاد في سبيل الله .
قيل : ثم ماذا ؟
قال : حج مبرور .
[صحيح البخاري: 26]
وقال صلى الله عليه وسلم :
من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
[صحيح الجامع:6197]
وقال صلى الله عليه وسلم :
العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
[صحيح البخاري: 1773]
وعن عائشة قالت :
قلت يا رسول الله : نرى الجهادَ أفضلَ العمل أفلا نجاهد ؟
قال : لَكُنَّ أفضلُ الجهاد حج مبرور .
[صحيح البخاري: 1520]
ومن الأعمال الصالحة أيضًا في هذه العشر :
صلاةُ العيد يوم العيد .
قال تعالى :
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}
[الكوثر: 2]
والمراد بالصلاة في الآية :
صلاة عيد الأضحى
بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على حضور حتى النساء لهذه الصلاة .
ومن أفضل القربات الأضحية .
في العاشر من هذه العشر وأيام التشريق بعده ومن الأحكام التي تخص المضحي قوله صلى الله عليه وسلم :
إذا دخلت العشر وأراد أحدُكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا .
[صحيح ابن ماجه: 2565]
وفي رواية :
فلا يمس من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي .
فينبغي للمسلم أن يسابقَ في هذه العشر بكل عمل صالح ، ويكثرَ من الدعاء والاستغفار ويتقربَ إلى الله بأنواع القربات حتى يكون فيها من الفائزين الرابحين .
اللهم يسر للحجاج حجهم ، واجعلِ اللهم حجهم مبرورًا ؛ وسعيهم مشكورًا وذنبهم مغفورًا .
اللهم احفظ الحجاج ومن يخدمهم وأجزل اللهم لهم المثوبة يا رب العالمين .
▪️مِنَ الدُّرُوسِ الَّتِي نَتَعَلَّمُهَا مِنَ الْحَجِّ ذِكْرُ اللهِ وَالدُّعَاءُ
إِنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ هِيَ الْقِيَامُ بِعِبَادَةِ اللهِ كَمَا قال جَلَّ وَعَلَا :
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
[الذاريات: 56]
وَالذِّكْرُ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ وَمَعْنَاهَا وَمَبْنَاهَا وَلَيْسَ لِلْعِبَادَةِ مَعْنًى وَلَا قِيمَةٌ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعِبَادَةُ ذِكْرًا للهِ .
فَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ لِلْعِبَادَةِ ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ مَا كَانَتْ إِلَّا لِلذِّكْرِ ؛ إِذْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى .
وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ .
وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ .
وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ التَّفَكُّرُ فِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ .
وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرِقَةً فِي الطَّاعَاتِ .
فَذِكْرُ اللهِ زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ .
وَالذِّكْرُ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ .
قَالَ تَعَالَى :
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}
[البقرة: 152].
وَقَالَ تَعَالَى :
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}
[البقرة: 152]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :
لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ
وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ .
وَالحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ
وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟
فَقَالَ : أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :
مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ .
وَفِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :
كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ :
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ :
أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟
إِنَّ أَحَبَّ الْكَلامِ إِلَى اللهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ .
إِنَّ الذِّكْرَ مِنْ أَيْسَرِ الْأُمُورِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَذْلِ مَالٍ, وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَبِيرِ مَجْهُودٍ .
#إِنَّ مِنَ الدُّرُوسِ الَّتِي نَتَعَلَّمُهَا مِنَ الْحَجِّ :
مَا يَتَعَلَّقُ بِدُعَاءِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَذِكْرِهِ .
وَمَعْلُومٌ مَا لِلذِّكْرِ مِنَ الْفَضْلِ وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقَرِّبُ الذَّاكِرِينَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَذْكُرُهُ ذَاكِرٌ إِلَّا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى قَبْلَ ذِكْرِهِ إِيَّاهُ ؛ فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي مَلَأٍ ذَكَرَهُ اللهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ .
فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي مَلَأٍ ذَكَرَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ .
وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ فَضْلَ الذِّكْرِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ يَذْكُرُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا .
#وَأَمَّا_الدُّعَاءُ
فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ .
وَفِي الْحَجِّ أَمَاكِنَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْتَعْلِنُ بِالدُّعَاءِ وَيُطِيلُهُ جِدًّا .
فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ شَرَعَ النَّبِيُّ ﷺ لِلذِّكْرِ وَلِلدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِإِنَابَةٍ وَإِخْلَاصٍ سَائِلِينَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
والنَّبِيُّ ﷺ كَانَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَجْمُوعَةً مَقْصُورَةً مَعَ الظُّهْرِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الصَّخْرَاتِ وَيَتَوَجَّهُ إِلَى قِبْلَةِ الْمُسْلِمِينَ رَافِعًا يَدَيْهِ دَاعِيًا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ يَدْعُو اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا شَاءَ .
ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مِنًى ؛ مِنْ أَجْلِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى .
وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الصُّغْرَى فَكَانَ يَرْمِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دَاعِيًا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُعَاءً طَوِيلًا .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دَاعِيًا رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُعَاءً طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا .
ثُمَّ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ الصَّفَا وَعِنْدَ الْمَرْوَةِ بِالدُّعَاءِ الْمَعْرُوفِ عَنْهُ ﷺ فَهَذِهِ سِتَّةُ مَوَاطِنَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو فِيهَا رَبَّهُ دُعَاءً طَوِيلًا طَيِّبًا .
عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ أَشْرَفُ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْعِبَادَةِ يَتَعَبَّدُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لِرَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ :
الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ .
فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَوَجَّهَ دَائِمًا وَأَبَدًا إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَنْ نُخْلِصَ الْقُلُوبَ لَهُ حَتَّى يَسْتَجِيبَ لَنَا رَبُّنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ .
#فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا الذِّكْرُ :
فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَنَا أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ جَلَّ وَعَلَا .
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَإِذَا سَمِعَهُمْ مَنْ بِخَارِجِ الْمَسْجِدِ كَبَّرَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا هَدَاهُمْ وَعَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ .
عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا بِالدُّعَاءِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .
وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَمَّى الدُّعَاءَ فِي كِتَابِهِ عِبَادَةً فَقَالَ :
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}
أَيْ عَنْ دُعَائِي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}
[غافر: 60] أَذِلَّةً صَاغِرِينَ .
فَالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ .
وَأَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى بَعْدَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ فَقَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا :
{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}
[البقرة: 200]
فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ حَجِّكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ وَذَبَحْتُمْ ذَبَائِحَكُمْ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ بِمِنًى فَاذْكُرُوا اللهَ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِثْلَ ذِكْرِكُمْ مَفَاخِرَ آبَائِكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَلْ أَكْثَرَ ذِكْرًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلذِّكْرِ وَالْحَمْدِ مُطْلَقًا .
إِنَّ الذِّكْرَ رَأْسُ الْأُصُولِ فَمَنْ فُتِحَ لَهُ فِيهِ ؛ فَقَدْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الدُّخُولِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَتَطَهَّرْ وَلْيَدْخُلْ عَلَى رَبِّهِ ؛ يَجِدْ عِنْدَهُ كُلَّ مَا يُرِيدُ .
فَإِنْ وَجَدَ رَبَّهُ تَعَالَى وَجَدَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فَاتَهُ رَبُّهُ جَلَّ وَعَلَا فَاتَهُ كُلُّ شَيْءٍ .
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِذِكْرِهِ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِنَا .
▪️سُنَّةٌ مَهْجُورَةٌ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ
اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ هَذِهِ الْأَيَّامَ خَيْرَ أَيَّامِ الْعَامِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ مُحَمَّدٌ ﷺ .
أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ يَعْنِي :
الْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
وَكَانَتِ الْعَشْرُ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى مَنْ سَبَقَنَا مِنْ عُلَمَائِنَا أَقْبَلُوا عَلَى الْعِبَادَةِ .
كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَتَوَخُّونَ فِي الْعَشْرِ سُنَّةَ الرَّسُولِ ﷺ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ :
مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ .
يَعْنِي : مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ .
فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ .
يَعْنِي : فَدَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ .
فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ .
يعنى لَا مِنْ إِبِطِهِ وَلَا مِنْ عَانَتِهِ وَلَا مِنْ شَارِبِهِ .
فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ .
#وَالنَّبِيُّ_ﷺ_جَعَلَهَا_سُنَّةً_مَسْنُونَةً
ومعْنى الحديث إِذَا أَهَلَّ هِلَالُ الْعَشْرِ الْأَوَائِلِ .
وَكَانَ لِأَحَدِكُمْ ذِبْحٌ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهُ أى أُضْحِيَةٌ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ فَلَا يَقْلِمُ ظُفُرًا وَلَا يَأْخُذُ شَعْرًا
لَا مِنْ إِبِطٍ وَلَا مِنْ شَارِبٍ وَلَا مِنْ رَأْسٍ وَلَا عَانَةٍ لَا بِالْمُوسَى وَلَا بِالنَّتْفِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ جَمِيعِهِ .
أَمَّا مَنْ عَنَّاهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَاضْطُرَّ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ ؛ كَأَنْ أَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ يُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُخَاطَ جُرْحُهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ شَعْرِهِ بِقَدَرٍ .
وَكَذَلِكَ مَنْ سَقَطَ ظُفُرُهُ أَوْ أَصَابَهُ شَيءٌ اضْطُرَّ مَعَهُ إِلَى إِزَالَةِ ذَلِكَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ .
#ثُمَّ_مَا_الْحِكْمَةُ_فِي_ذَلِكَ؟
يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
لَمَّا كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يُقَدِّمُهُ أُضْحِيَّةً للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ فَقَدْ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ يُمْسِكَ عَنْ شَعْرِهِ وَظُفُرِهِ حَتَّى يُزِيلَ ذَلِكَ مَعَ ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيَكُونُ قَدْ أَتَى بِتَمَامِ التَّضْحِيَةِ .
#وَقَالَ آخَرُونَ :
لِيَكُونَ الْعِتْقُ مِنَ النَّارِ عَلَى حَسَبِ تَمَامِ الْأَعْضَاءِ فَيَظَلُّ كَذَلِكَ وَمَعَهُ الْأَعْضَاءُ بِتَمَامِهَا حَتَّى يُعْتَقَ مِنَ النَّارِ .
#وَقَالَ آخَرُونَ :
إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُشَارِكًا لِلْمُحْرِمِ فِي بَعْضِ النُّسُكِ إِذْ إِنَّ الْمُحْرِمَ غَيْرُ الْمُفْرِدِ يُقَدِّمُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مَا يُقَدِّمُ ذَبْحًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ مَنْ يَسُوقُ الْهَدْيَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
فَلَمَّا كَانَ مُشَارِكًا لِلْمُحْرِمِ فِي نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ النُّسُكِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ بِالْإِحْرَامِ عَنِ الظُّفُرِ وَالشَّعْرِ
فَإِنَّهُ نَاسَبَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ ، لَمَّا كَانَ مُشَارِكًا لِلْمُحْرِمِ فِي بَعْضِ النُّسُكِ وَهُوَ الذَّبْحُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُضْحِيَّةً وَهَدْيًا .
نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لِلْمُحْرِمِ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُحْرِمِ فِيمَا لَا يَخْفَى .
#وَقَالَ آخَرُونَ :
إِنَّهُ تَشْمَلُهُ أَحْكَامُ الْمُحْرِمِ ، كَمَا أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ ظُفُرِهِ ؛ فَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
#فَالنَّبِيُّ ﷺ أَمَرَ مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ وَأَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ .
يَعْنِي : مَنْ كَانَ عِنْدَهُ حَيَوَانٌ لَهُ شُرُوطُ الْأُضْحِيَّةِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَتَوَفَّرَ فِيهِ وَيَكُونُ الْحَيَوَانُ خَالِيًا مِنَ الْعُيُوبِ ؛ إِذَا مَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ مِنْ شَعْرِهِ ، وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ كَمَا ورد فى حديث رَسُولُ اللهِ ﷺ .
#وَيَا لَهُ مِنْ مَظْهَرٍ جَلِيلٍ تَتَوَحَّدُ فِيهِ الْأُمَّةُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَاهِدًا لِلْحَجِّ فِي الْمَوْسِمِ مِنْ عَامِهِ وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَشْهَدَهُ ، فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ جَعَلَ هَذَا الْأَمْرَ بِالِاسْتِطْرَاقِ فِي الْأُمَّةِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الْجَلِيلِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إِلَّا فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ .
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}
[الأنعام: 162-163]
فَيَا لَهُ مِنْ مَظْهَرٍ تَأْتَلِفُ فِيهِ الْأُمَّةُ ؛ الْأُمَّةُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَأْتَلِفَ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ؛ لِكَيْ يُعِزَّهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ بِائْتِلَافِهَا وَلِكَيْ يُخْرِجَهَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنَ الذُّلِّ وَالْمَذَلَّةِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِهَا .
#النَّبِيُّ ﷺ دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالذِّكْرُ تَهْلِيلًا وَتَحْمِيدًا وَتَسْبِيحًا وَتَكْبِيرًا وَيَدْخُلُ فِيهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ .
وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلَبُ الْعِلْمِ وَبَثُّهُ وَإِذَاعَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الصِّيَامُ، وَالزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَالْعَطْفُ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالْمَسَاكِينِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ .
#فَيُسْتَحَبُّ الصَّوْمُ فِي تِسْعِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ وَأَنْ تَأْتِيَ بِأَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْعِبَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ فِيهِ غَايَةَ الْجُهْدِ كَمَا كَانَ السَّابِقُونَ مِنَ الصَّالِحِينَ يَفْعَلُونَ .
#فَهَذِهِ فُرْصَةٌ قَدْ لَا تَعُودُ إِنْ مَضَتْ قَدْ لَا تَعُودُ ، وَالْعَبْدُ دَائِمًا عَلَى وَجَلٍ مِنْ غَدِهِ ، لَا يَدْرِي أَتُشْرِقُ عَلَيْهِ شَمْسُهُ أَم لا .
#أَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَجْمَعَنَا جَمِيعًا هَذَا الْعَامَ وَكُلَّ عَامٍ عَلَى صَعِيد عَرَفَاتٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
▪️أفضل أيام الدنيا أيام العشر
من فضل الله عزوجل أن جعل لنا مواسم للطاعات مواسم للخيرات تحمل النفحات والبركات تكثر فيها الحسنات وتُرفع فيها الدرجات .
ولا شك أن من أعظمها شرفا وأرفعها قدرا وأكثرها فضلا :
العشر الأول من شهر ذي الحجة
فهي عشر مباركة أقسم الله بها في كتابه وهذا وحده يكفيها شرفاً وفضلاً ؛ حيث الإشارة إلى تعظيم الله لها والتنويه بشأنها وفضلها .
قال تعالى :
وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ
كما شهد لها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها أفضل أيام الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم :
أفضل أيام الدنيا أيام العشر .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي الْعَشْرَ .
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟
قَالَ : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ .
رواه البخاري
قال ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف :
وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده .
والعمل الصالح أعم وأوسع من أن يحصر في فعل أو قول اذ يشمل كل ما فيه طاعة الله جل وعلا والتقرب اليه ، فمنه الطاعات والعبادات ولقد قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
الحج 77
ومنه ما ينتفع به الناس .
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ .
#وان من أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله في هذه الأيام :
#الحج لمن استطاع اليه سبيلا :
قال الله تعالى :
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
آل عمران 97
فالحاج وافد على الله عز وجل ، ومن وفد على الله أكرمه .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ :
الحجَّاجُ والعمَّارُ وفدُ اللهِ إن دعوه أجابهم ، وإن استغفَروه غفَر لهم غَفَرَ لَهُمْ .
رواه ابن ماجه والطبراني في الأوسط
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ .
#الاكثار من التوبة والاستغفار :
فعلى المسلم أن يستقبل مواسم الطاعات عامة بالتوبة الصادقة ففيها فلاح للعبد في الدنيا والآخرة .
قال تعالى :
وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
النور31
وها هو صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح مسلم :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّة .
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله سبحانه وتعالى ويتوب إليه مرات ومرات فما بالنا نحن بمعاصينا وغفلتنا أفلا نستغفر آناء الليل وأطراف النهار دون عدد ولا حساب .
#المحافظة على أداء الفرائض والواجبات :
ففي الحديث القدسي :
وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ .
رواه البخاري
#الصيام
فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة .
فعَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحَجَّةِ وَيْوَمَ عَاشُورَاءَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ .
رواه احمد
وفى صيام يوم عرفة يقول صلى الله عليه وسلم:
" صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ " .
رواه مسلم
#الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى :
فلقد شرع الله عز وجل ذكره في هذه العشر على الخصوص .
فقال سبحانه :
وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ
الحج 28
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْر، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ .
رواه أحمد
وفي فضل ذكره سبحانه يقول عز وجل في الحديث القدسي:
أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ .
رواه البخاري
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :
سبَق المُفرِّدونَ قالوا : يا رسولَ اللهِ ما المُفرِّدونَ ؟
قال : الذَّاكرونَ اللهَ كثيرًا والذَّاكراتُ .
رواه ابن حبان في صحيحه
#ذبح الأضاحي يوم النحر وأيام التشريق لمن استطاع تقرباً إلى الله عز وجل .
فقد قال تعالى :
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ
الحج3 / 37
وقال تعالى :
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
الكوثر2
وكفى في فضلها قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا .
حيث إن فيها أسمى معاني الشكر لله عز وجل)
على نعمه ، وفيها إحياء لسنة سيدنا إبراهيم عليه السلام وتأسيا بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
غير أنها من أوسع أبواب التكافل الاجتماعي .
#الدعاء
فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
رواه الترمذي
فسألوا الله حاجتكم كلها قليلها وكثيرها دقيقها وجليلها قريبها وبعيدها .
وأعلموا أن الدعاء نافع بكل حال فثمرته مرجوة حتى وإن لم تتحقق في الدنيا .
فلقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا .
قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ ؟
قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ .
رواه الترمذي
#كما يتأكد في هذه العشر صلة الأرحام وإجابة السائل وإعانة المحتاج وتفريج الكرب وقضاء الحوائج وغير ذلك من العبادات والقربات .
فقد قال الله تعالى :
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ
البقرة 197
إن اللبيب العاقل دائما يسارع ويبادر إلى الخيرات ، ويغتنم مواسم الطاعات .
فقد قال الله جل وعلا :
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
آل عمران133
ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ .
فنافس في الخير ما دمت في فسحة .
Post A Comment: