الكاتبة السودانية / تودد الألفي تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "يبتاعُ حذاءً بسحرِ ابتسامته" 


الكاتبة السودانية / تودد الألفي تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "يبتاعُ حذاءً بسحرِ ابتسامته"


في التاسعةِ من عمرهِ وتارةً يقول أنه قارب على العشرة أعوام، أما مظهره فيوحي بأنه أصغرُ من ذلك بكثير، له عينان إن نظرت إليك ربما اصابتك بتعويذة العشق، ابتسامتهُ تلك كانت هي سلاحه الذي اصابني بالإدمان لحواراته، ليست فقط ابتسامته، عقلهُ كان سيد المواقف دائماً في كل لقاءٍ وحوار بيننا.

بتلك العينين الساحِرتين، وابتسامته التي خطفت قلبي فور رؤيته كان اللقاء الأول بيننا.


ثيابُ بالية، ربما من فرطِ استعمالها لا يمكنك معرفةُ إن كانت تلك السُترة سوداء اللونِ متسخَة، أم هي بلونٍ رماديٍ داكن، وذاك الشَعر الذي تعتليهِ ذراتُ الغبار التي لربما كانت رفيقةَ مسيرته المهنية المخلصة.

ورغم اعتلائها شعرهُ، إلا أنها لم تُفقِدهُ ذاك اللون البُني المُذَهّب الذي ينافس أشعة الشمس في التوهج.


هزيل البنية، إلا أنّ قوةَ شخصيتهِ تُظهر عكس ذلك!

رأيته أولَ مرةٍ يجول في تلك الساحة الخضراء المُخَصصةُ للتَنزه.


ساحةٌ تمتلئ جوانبها بالأشجار الخضراء العالية التي ربما تتسابق جميعها لتقبيل الشمس.

 أرضها اكتست خُضرةً نضرة وجمالً تزينهُ الزهور مختلفةُ الألوانِ والأشكال، مُتراصةٌ جميعها أمام تلك الأشجار، كأنها صغارها المطيعة، يداعبُ أوراقها النسيم فتظنُ أنها تشارك الأطفال لعباً ومرحاً.


تمتلئُ تلك الساحة بالعوائل، الأُسر، والأطفال بصحبة والدِيهمْ. 

ذاك يلعب مع أبيه، وهناك إخوةٌ يلعبون سوياً بالكرة، والآخر يترجّى أُمه أن تَبتَاعُ له تلك الحلوى، فتنصاع له هي بكل حنان، لتنادي من بعيد: "تعال أيها الفتى".

فيأتي ذاك الفتى صاحب الإبتسامة التي منذ دخولي هذا المكان أراها تعتلي شفتيه دون نزول...

 يقول وبهجة الدنيا تملأ قلبه، فقط لأنه سيكسب القليل من الدراهم مقابل بيعه الحلوى:

آمُريني سيدتي، بكم تريدين؟".


في تلك اللحظة لم يسعني إلا أن أتذكر مقولة نجيب محفوظ عندما رأى طفلاً يبيع الحلوى عند إشارةِ المرور، بكى ثم كتب:

"وأحلامُ الأطفال قطعة حلوى... وهذا طفلُ يبيع حلمه!"


ثم ينطلق هو بعد ذلك فرحاً فقد حقق انتصاراً بين أصدقاءه وما أقل تلك الإنتصارات خلال يومه، سمعت رفقته ينادونه ب (سعيد).


لاحقاً لوحتُ بيدي لأناديهِ...

 ليأتيني هو بسرعةِ فائقة تكادُ تُسقِطه أرضاً، ثم يقول والبسمةُ كالعادة سلاحه الجميل الذي لا يزول:

_ بكم تريدين سيدتي؟

لأجيبه أنا بسؤالٍ أيضاً!

= أخبرني أنت أولاً يا سعيد، أتبيع البسمة دون مقابل؟! وتلك العينان البريئتان اللتان يتنافس السواد والبياض داخلهما على التوهج أكثر أينظران للغير ويسحران ثم يقذفان العشق داخل من رآهُما، دون ثمن؟

وسُمرتك الفاتنة التي تتكئُ عليها أشعةُ الشمس يومياً، أفلا تعطيكَ حق الإتكاءة؟!


فيتسمر  سعيد مكانه، لا أدري إن كان مُدركاً معنى ما تفوهتُ به، رافعاً رأسه لأعلى ليساوي نظري، وبنفس تلك الإبتسامة وبذاك السحر من عينيه ناظراً إليَّ بتعجب! بعد برهةً يرد...

_ سيدتي! أيعني أنك لا تريدين الحلوى؟!

فأخفي إبتسامتي خجلاً، ثم أقول:

= بلى أُريدها، وسأبتاعُها كلها يا سعيد، ثم أُعيدها لك لتأخذ أنت وأصدقاؤك ما أشتهيتُم منها، ومنذ اليوم عليك أن تجعلني زبونة دائمة لك، عملي بالقرب من هنا، سأزوركم يومياً أنت ورفقتك هنا، لأبتاع لي ولكم الحلوى، ولنرى إن كان بإمكاني المساعدة أكثر لأجعلكم تمتهنون غير بيعِ أحلامكم مهنة، لتكون أكثر نفعاً ولربما لنيل أحلامكم تقود.


فينطلقُ سعيد سعيداً جداً يردد: "ستُصبحين صديقتنا المُخلصة، سأناديكِ هكذا دوماً، فبسببكِ اليوم سأبتاع حذاء أحلامي الذي طالما تمنيته، شكراً سيدتي، وأحبكِ كثيراً".


فأعود أدراجي بعدها وقلبي مليئٌ بكلِ مشاعر الكون تضارباً ولكن البهجة هي الغالبة، فأردّ بيني وبين نفسي، وكم أحتاجُ لهكذا حب.


ختاماً ..

تبنتهم الشوارع فكانت ملجأً لأحلامهم الصغيرة وأهدافهم الضبابية، كم من طفلٍ منهم رأى أمًا تُربتُ على رأس ولدها، فتمنى لو كانت لحظته وكانت على رأسه، وغيره الكثير من الإحتياجات والحقوق التي يأتمونها.

امنحوهم الحب وإن كان عابرًا، توددوا لهم، اشتروا منهم فوق حاجاتكم فتُقضى حاجاتهم.







Share To: