الأديب المغربي / عمر مرحام الجموحي يكتب : كهنة معبد التفاهة 


الأديب المغربي / عمر مرحام الجموحي يكتب : كهنة معبد التفاهة


أخذ المدعوون للوليمة أماكنهم، نادى النادل على شاب معه لكي يوزع رغائف الخبز وكؤوس مشروبات غازية  على الموائد. 


وضع سلطة مشكلة من أنواع مختلفة من فواكه البحر والفواكه الإستوائية. انبهر الجميع من التشكيلات والتناسق في الألوان والذوق. أكلوا بنهم وكأنهم لم يتذوقوا طعاما منذ الأزل، كأنهم أسرى يأكلون وجبتهم الأولى بعد فك أسرهم.


الطبق الثاني يتكون من خروف محشي ومشوي في الفرن، إنبهارهم لم يخفت وزاد نهمهم أكثر، لم يتركوا إلا العظام التي استعصت عن القضم.


بعد تناول التحلية المكونة من حلويات وفواكه، أخذ الكلمة من يلقبونه بقيدوم الأدباء وألقى قصيدة لم تخلو هي الأخرى من أخطاء لغوية تداخلت فيها جميع الأوزان والبحور الشعرية، بدأ يمجدني ويثني علي وعلى كرمي الحاتمي، ويعدد مناقبي الفكرية والشعرية  وإثرائي للساحة الأدبية وغزارة شعري. 


وقفت مشدوها مما كان يتفوه به، لم أدرك حينها أن الوليمة فعلت فعلتها، وأن بطنه من كان يتكلم بدل عقله.


لم أعرف الشخص الذي  يتكلم عنه هل هو  أنا؟  الذي يخربش كتابات أستقي عباراتها من لغة الأسلاف، تبهرني فيها الكلمات المستعصية، لأخرج جملا هجينة دون تناسق لا معنى ولا مغزى لها، وانشر كتابات اعنونها بعناوين براقة، لا علاقة لها بموضوع ماأكتب، وأرفقها بصور لي في وضعيات تبدو لي رائعة في حين تبدو للكل مضحكة ومقززة. 


كان يستفيض في المدح والثناء، وأنا أبدو مزهوا كأنني طاووس ينفش ريشه في بستان فسيح. 


توج الحفل بتوشيحي بوسام وشهادة، كتب عليها الأديب والشاعر الكبير السيد فلان أشعر شعراء العصر،  وأديب القرن، والكل يثني علي ويهنؤني حتى من يدعون أنهم  شعراء وكتاب ودكاترة، وكأنهم يبايعون أميرا. وبدأ رجال ونساء يدعون أنهم رجال الصحافة، يطرحون أسئلة فهمت من معناها أن أصحابها لم يقرأوا يوما حرفا، يرفعون المنصوب وينصبون المرفوع مثل ما نصب علي هؤلاء، وأنا مرفوع عني القلم من شدة بلاهتي. 


أخذ المصورون يوثقون اللحظة بصور جماعية وفردية لكل المدعوين ويسجلون فيديوهات... 

اعتلى الخشبة مغني مشروخ الصوت، وبدأ يؤدي أغنية "الزين اللي عطاك الله" رغم أن بشاعة وجهي بادية للعيان.  كان يسترسل في وصلته بتنافر صارخ مع الموسيقى، وعندما نادى بإسمي ليهديني مايغنيه، استفقت مذهولا، وأنا اتصبب عرقا من هول  التفاهة، التي عشتها في الحلم.


وأنا أسترجع شريط منامتي، فهمت أن معبد التفاهة له كهنته، همهم الوحيد ملء بطونهم وربما جيوبهم، لينصبوا أمراء للشعر، وعمداء للأدب والفكر. 


فاحذروهم لأن فضاءنا الأدبي يعج بأمثالهم، رغم بعض الإستثناءات التي تبقى مضيئة رغم طغيان أشباه الأشباه.



الأديب المغربي / عمر مرحام الجموحي يكتب : كهنة معبد التفاهة


اللوحة لصديقي وأخي الفنان الكبير  Arts Ahmed El Houari 

 بعنوان  la bande  العصابة







Share To: