الكاتبة السودانية / رزان هشام تكتب نصًا تحت عنوان : قرعة حظ '1'


الكاتبة السودانية / رزان هشام تكتب نصًا تحت عنوان : قرعة حظ '1'



عُدنا والحبر بأيدينا ودروبُ الورقِ تُنادينا. 


  سودٌ ونحمل في دواخلنا مُضغة من وردة ياسمين بيضاء قابعةٌ في ضلوعنا اليسرى رغم كل سود الأيام.


هنيئًا للعابرين دون أذى والماضيين دون ترك أثار حماقتهم على طرقات خواطرنا، أما نحن فـبقايا أحداث مرَّ عليها الدهر وبِتنا غير قادرين على نزع أنفسنا من أفكارنا.

أُناسٌ تحولوا من أصحاب وجوهٍ صبيحة لمحض قلوب خبيثة بِفعلِهم.

طيبون في نفس الآن وتستهوينا رائحة الطعام الشهية بعبقها عند رجوعنا من يوم مرهق قضيناه بين نزاعات صاحب الحافلة ومساعدة والركاب الذين يعترضون على إرتفاع كلفة السفر وتمتزج رائحة الأكل في عقلك مع صوتهم متمازجًا مع نبرة أحدهم وهو يقول

"يا زول ما تخاف ربك جالون البنزين كلو يدفعه ليك راكب واحد!".

يقاطعه "لو ما عاجبك أنزل"

فيعم الصمت الأرجاء. 

 

نستيقظ كل يوم وبداخلنا فجوة في قلوبنا فتمتلئ فجأةً بنظراتنا نحو ألوان الفجر الوردية والشاحبة المبشرة بنهارٍ جميل، فنمضي وتمضي أحداثه لنكتشف في منتصفه أن الشمس تريد أن تأخد بثأرها لا غير.


شتاتنا المتناثر بين طيات الأيام كـشيب رجلٍ خمسيني يداعب خصلات إبنته الكُبرى وهو يحكي لها قصة حياته التي خاضها ببسالة مبتدئًا

 بـ "ما وريتك يا بتي أنا زمان..."

حتى تم تزيين شعر رأسه بالهم الأبيض الممزوج بالشجاعة الحالكة، من ثم يخبرها في أخر حديثه أنه يريد النوم فيرمي كل ما في عاتقه من أفكار المعيشة على وسادته.


ومن الجهة الأخرى من المدينة فتاةٌ جعلت من الليل مرفئًا لسفينة مشاعرها وخططها المستقبلية وهي تحدق بالسقف وتتخيل نفسها في فيلم خيال علمي بحت وأخرى ترتدي لحن الأنين بسبب قسوة أحدهم عليها وهي تتسول في إحدى طرقات العاصمة، ونظرة آخر وهو يقول لها

"الله يدينا ويديك يا بت الحلال".


جاء الصباح مرةً أخرى، رائحة اليقظة جميلة لأنها تعيد كل شيء كما كان.

طُرقات مزدحمة، أناسٌ يصدرون ضجيجًا، وآخر يصيح بملء فمه

"علينا جاي، علينا جاي"

ويتبعه رفيقه بجملة

"قرِب قريب وشوف العجيب"


تالله كلنا رأينا عجبًا عجاب في موطننا وهذا لا يكتمل إلا عند سماعك رجلاً ينادي من بعيد ويلوح بمشبك شعر وردي ويقول

"يا الماشي تعال غَاشي"

لقد غشونا حتمًا، غشونا أطيافنا في الطرقات وتشبعت أعيننا بوجوهٍ سمراء تحمل الكثير من المعاني تحت تجاعيد أعين أصحابها.


أريد أن أقول لك إن كنت سوداني يا سيدي، فهذه قرعة حظ.💜







Share To: