الكاتبة المغربية / حكيمة ارويضي تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "الممرضة القدوة"
في كل صباح كانت تمر الشابة مريم الطويلة الانيقة أمام مقهى الدرب عندما تكون متجهة إلى معهد التدريب.. مريم.. هي شابة عشرينية ..جميلة د.. رزينة و مبتسمة دوما.. تدرس في معهد الممرضين.. تحمل الوزرة البيضاء في يديها مع محفظتها الوردية الصغيرة و هذا ما يزيدها إلا جمالا بالإضافة إلى قامتها و ملابسها الفضفاضة النقية.. تمر مريم مستقيمة المشية فتقف بضع دقائق في المحطة منتظرة الحافلة رقم 3 و التي تتوجه نحو المستشفى الرئيسي (البلدية).. تصعد الشابة وسط الزحام فتلتقي بصديقاتها الممرضات المتدربات.. تسلم عليهن فيبدئن الحديث حول كل ما يتعلق بضغوط التدريب و الاستعداد لامتحان التخرج و كلهن حيوية و نشاط.. تتوقف الحافلة و تنزل الممرضات الانيقات مسرعات.. ترتدين الوزرة البيضاء.. تمشين بكل وثوق ثم تنتشرن داخل المستشفى كل واحدة في جناح معين و حسب تخصصها.. تدخل مريم الجميلة ذات الهمة العالية و الشخصية القوية جناح الجراحة و كلها طاقة.. تستقبل المرضى ببشاشة و تباشر عملها بتفان.. فجأة يدخل الطبيب المؤطر لمراقبة طلبته فيجد مريم منغمسة في فحوصات مريضة كما تواسي أيضا مريضة أخرى بجانبها على فراش الموت .. وقف بضع ثوان بالباب صامتا امام المشهد الراقي.. تدخل ببعض النصائح وبعد ذلك انصرف.. أكملت الشابة مهمتها و ما ان انتهت مريم حتى سلمت المريضة الروح لبارئها.. انهارت مرافقتها التي كانت ابنتها الصغيرة .. تاثرت الممرضة كثيرا.. نظرت إلى الساعة فوجدتها الثانية عشر و النصف .. وقت الانصراف .. غادرت مريم المستشفى جد حزينة لذلك الوقع فالتقت الطبيب الاستاذ صدفة في الباب الرئيسي للمستشفى .. ابتسم ابتسامة عريضة و عينيه تلمعان كاشعة الشمس الصباحية و هنئها على كل مجهوداتها العالية اتجاه المرضى و خاصة المسنين..ثم سألها: أراك يا مريم حزينة.. ما بك؟
تجيب مريم دون ان تنظر لاستاذها ولو نظرة: " شكرا على تشجيعكم أولا و هذا كل ما تعلمناه منكم أستاذ .. انما ما يثير انتباهي هو تجاهل المرضى الكبار السن و تركهم يعانون وسط حشد من الناس ينتظرون.. في الحقيقة وجب علينا توفير جناح خاص بالمسنين و عناية تليق بهم كما نفعل بالاطفال الصغار في جناحم.. " ضحك الطبيب و عيناه امتلأتا بالحزن و الفرح في آن واحد( فرح بطاقات شابة .. مسؤولة و مخلصة في عملها و حزن على ما آل اليه وضع الصحة و خاصة تلك الفئة لانه أكثر تجربة وذو مشوار طويل..ثم رد عليها قائلا:" صحيح يا مريم .. انت على صواب.. اتفق معك تماما و نتمنى ان يكون القادم أفضل.. بل و اعلمي ايضا اننا نحتاج كذلك لضمائر حية و شباب مخلص و مجد في عمله مثلك .. حقا أُعجبت بخفتك و كفائتك صباحا لما جئت للمراقبة......"
(ذهب الطبيب و عقله منشغل برقة الشابة الانيقة.. بعد ساعات من التفكير لم يقدر على ترك رشاقتها من داخله و لا على طرد حركاتها من امام عينيه فقرر الاتصال بمريم و لم لا الإعتراف لها بما حدث له اليوم و ما صار معه من تغيير ......)
Post A Comment: