الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "لا تدع العِبرة تفوتك" 


الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "لا تدع العِبرة تفوتك"


إن أمة الإسلام اليوم بحاجة لإعادة ضبط وتهيئة، لاستقبال رسالة الإسلام من جديد، فما يحدث في هذا الزمان من كثيرٍ من المسلمين، لا يمُت لسماحة الدين ويُسرِهِ بصلة. إن أسلوب القسوة والتنفير من الدين، يطغى على الترغيب فيه وتزيينه لغير المسلمين - قبل أهله - لجذبهم إليه. تبدَّلت الأحوال، وتغيَّرت المصطلحات، وغاب الرفق بالناس والرأفة بهم، فكل مسلم يتوجب عليه بذل الكلمة الطيبة، وعدم جرح مشاعر الآخرين، بفعلٍ أو قولٍ يؤذيهم، لكن للأسف ما عاد أحدٌ يبالي بالآخر، أو يحسِّبُ لخاطرِ أخيه حسابًا، إلا من رحِّم ربي. حتى إنه يُحكى أن أحدهم دخل المسجد ورن جواله، فانزعج المصلون وانتهروه وغلَظوا عليه في اللَّوم والعتَب، فكان ذلك الموقف آخر عهده بالمسجد وفارقه إلى الأبد. ويُحكى عن آخرٍ، أنه ذهب مع صديقة لأول مرةٍ في حياته، إلى ملهىً ليلي فتعثَّر بطاولةٍ في المكان، فسقطت الكاسات وتكسَّرت، فقال له صاحب الملّهى: "فِداك"؛ فأصبح زبونًا دائمًا للمكان.


ما فائدة الصلاة في المسجد إذا كانت الأخلاق سيئة، والمعاملة فظة غليظة؟!


 بسبب رِّقة الكلمة وجمال الأسلوب، كسِب الملهى زبونًا جديدًا، وزاد أهل الضلال واحدًا، وبالشدةِ والغلظةِ خسِر المسجدُ مُصليًا، ونَقصَت صفوفُ الجماعةِ واحدًا. إن من يتابع بدقة واقع الحال اليوم، خاصةً وسط فئة الشباب، لن يخفى عليه البؤس والضلال الذي يحيط بهم، والانحراف عن هدي الإسلام وطريق الله القويم الذي يحُفَّهم من كل جانب، فيجد أن أمورًا صغيرة، ومواقفَ مثل ما سبق ذكره لا قيمة لها، يمكن أن تهدم ثوابت الدين، وتُسهِم في تغيير مفاهيم بعض المسلمين عن دينهم. فمن ترك الصلاة في المسجد بسبب غلظةِ أحدهم وجهلهِ، هو مخطئ لا مراء، لكن من تسبب في كرهه للمسجد، خطأه أغلظ وأثره أبلغ، فالرفقَ الرفقَ يا مسلمين.


ومن مظاهر الرفق والحُلم بين المسلمين، ما وقع في عهد بني أُمية، بين عبد الله بن الزبير ومعاوية بن أبي سفيان، فيُحكى أنه قد كان لعبد الله بن الزبيـر مزرعة في المدينة، مجاورة لمزرعة يملكها معاويـةُ بن أبي سفيان خليفة المسلمين في دمشق، وفي ذاتِ يومٍ دخل عُمَّال معاوية إلى مزرعة ابن الزبيـر، وقد تكرر منهم ذلك في أيامٍ سابقة. غضب ابن الزبيـر وكتب لمعاوية في دمشق، وقد كان بينهما عداوة، وقال في كتابه: من عبد الله بن الزبيـر إلى معاوية (ابن هند آكلة الأكباد)، أما بعد: فإن عُمَّالك دخلوا إلى مزرعتي فَمُرهم بالخروج منها؛ أو فوالذي لا إله إلا هو ليكونَّن لي معك شأن. فوصلت الرسالة لمعاوية وكان من أحلم الناس، فقـرأها ثم قال لابنه يزيد: ما رأيك في ابن الزبيـر أرسل إليَّ يهددني؟ فقال له ابنه يزيد: أرسِّل له جيشًا أولَّه عنده وآخره عندك يأتيك برأسه. فقال له معاوية: "بل خيـرٌ من ذلك". فكتب رسالةً إلى عبدالله بن الزبيـر يقول فيها: من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبيـر (ابن أسماء ذات النطاقين)، أما بعد: فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلَّمتها إليك، ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا فخُذ مزرعتي إلى مزرعتك وعُمَّالي إلى عُمَّالِك، فإن جنة الله عرضها السمواتُ والأرض.


 فلمَّا قرأ ابنُ الزبيـرِ الرسالةَ بكى حتى بلَّ لحيته بالدموع، وسافر إلى معاوية في دمشق، وقَبَّل رأسه وقال له: لا أعدمك الله حِلمًا أحلَّك في قريش هذا المحل.


انتهت القصة، لكن الدرس لم ينتهِ، ولا يجب أن ندع العبرةَ تفوتُنا، وألا ننهل من تلك العظمة شيئًا ونحن في ظمأٍ ومخمصة.




الكاتبة السودانية / تسنيم عبد السيد تكتب مقالًا تحت عنوان "لا تدع العِبرة تفوتك" 


Share To: