الكاتبة السودانية / ندى حيدر تكتب نصًا تحت عنوان "بسم الله عليك"
يارفيقي!
مهمومٌ أنت، مُكبّلٌ، مهزوم. هزمتك تمنياتك في البقاء رغم إلزامك بالرحيل، مهزومٌ أنت من فرط التعلق، تعتقد بأنك لا تقوى على انتشال قلبك من عمق الوجع، سلبوك الشعور وأورثوك فاجعة الفراق؛ أولئك الذين منحتهم كل ما بقلبك من حب؛ قابلوا وفاءك بالغدر ووصلك بالهجر ولطفك بالصد، سمّوا عفويتك سذاجة وحسن ظنك (بلادة) استكثروا أنفسهم عليك وكأن كوكبنًا هذا لا يقطنُه سواهم.
اتخذت كل سبل التشبث لتحفظ ودّهم، تجاهلت تجاهلهم، تحاملت على نفسك لأجلهم، لطالما كنت تبدأ بالوصل وتبرر عَتَب بعدهم عنك انشغالاً، كلما اخطأوا بررت ذنبهم واصطنعت لهم ألف حُجّة، كنت تصحح خطأهم فيك حتى لا تكدّر صفو الوداد، حتى لا تُشوَّه صورهم. جاهدت كثيراً ولاءً لهم لكنهم تركوك تنزف، لم يروا فيك سوى جانبك السيئ! لا تحزن يارفيقي! كلنا نرى بذات الأعين ولكن النظرة تختلف، فهي تصدر من الروح، أنت ترى جمالهم بروحك الجميلة وهم يرون سوءك بروحهم المتداعية عليك (يارفيقي تثاقل علي أن أصف روحهم بالسوء).
أخبروك أنك ساذج بعيد عن المنطق، تتبع قلبك، أنك لا تتعظ وترمي بثقل قلبك على الأشياء، وصفوك بالمتبلّد المعتوه مُتسوّل الحب والاهتمام ثم تحججوا بحجج واهية للرحيل، كل الناس يتخذون ذات الحجج إذا أرادوا الرحيل. لذا؛ هوّن عليك وهوّن على قلبك، خِف على روحك وارمي عنك عبء التفكير والاشتياق، واسمع صدى عمقك.
جميلٌ أنت، خفيف الروح هيّن الوصال ليّن الود طيّب الحضور، وإن لم يقدّر ذلك أحد. قدّر ذاتك أنت وامنحها من الحب ما تستحق ثم عُد إلى نفسك تفقّدها وتقفّى أثرها؛ أي الطرق تسلك وأي الوجهات تبتغي؟! لربما كان الأمر من البداية يتطلب منك وقفة، وقفة تتفكر فيها قليلاً قبل التعمق بأحدهم ومنحه مفتاح قلبك. يارفيقي، إن القلوب إذا أحبت تعودت وإذا تعودت تعلقت وإذا تعلقت صعب استرجاعها.
يارفيقي، وقفة قصيرة مع نفسك تسمع فيها صوت حدسك قبل أن تتوغل في الوحل، كفيلة بارجاعك عن طريق لايشبهك.
لم يفُت الأوان بعد؛ اجعل لنفسك تنهيدة خلاص منهم، استخلص فيها نفسك من عبء التشبث البائس واسترجع فيها قلبك.. وأعلم تماماً أن الذي يُقدَّر لك هو الأنسب والأفضل دوماً وفيه من الخير ما لم تدركه، فلا تنظر للأشياء بسطحيتها وإنما تعمّق فيها لترى حقيقتها وأعلم أنك لم تُحرم إلّا لتُعطَى، فتأدّب مع الله وأحسن الظن به واعلم أنهم لم يُقدَّروا لك؛ لأن ليس لك خيراً فيهم فحمداً لله على نِعمة النسيان وحمداً لله على نعمة التقبّل..
ثم بسم الله عليك، بسم الله على قلبك حتى يهدأ، وبسم الله على روحك حتى يُجبَر كسرها.
بسم الله علينا من كسر القلوب وتجافي الرفاق وغدر الأحبة وزيف التعلق، بسم الله علينا جبراً وشفاءاً وسلام.
Post A Comment: