فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "أَجْمَلُ رِحْلَةٍ لأَجْمَلِ مَكَانٍ" 


فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "أَجْمَلُ رِحْلَةٍ لأَجْمَلِ مَكَانٍ"



أَجْمَلُ رِحْلَةٍ لأَجْمَلِ مَكَانٍ وَأَلَذُّ مُسْتَقَرٍّ ، وَأَطْيَبُ دَارٍ لاَ مَثِيلَ لَهَا ، دَارٌ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ ، لَهَا أَبْوَابٌ ثَمَانِيَةٌ وَمِائَةُ دَرَجَةٍ ؛ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، فِيهَا غُرَفٌ وَمَسَاكِنُ يُرَى بَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا وَظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، تَجْرِي الأَنْهَارُ فِيهَا وَمِنْ بَيْنِ أَيْدِي سَاكِنِيهَا ، وَتَنْبُعُ الْعُيُونُ مِنْ تَحْتِهِمْ ؛ وَأَنْهَارُ الْمَاءِ الصَّافِي الْعَذْبِ تَحُفُّهُمْ ، وَاللَّبَنُ الْمُصَفَّى الَّذِي لاَ يَتَغَيَّرُ طَعْمُهُ ، وَالْعَسَلُ النَّقِيُّ ، وَالْخَمْرُ الَّذِي لاَ يُسْكِرُ بَلْ هُوَ لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ شَرَابُهُمْ .


الْحَرِيرُ وَالسُّنْدُسُ وَالإِسْتَبْرَقُ لِبَاسُهُمْ ، وَالذَّهَبُ كِسَاؤُهُمْ، وَالْغِلْمَانُ الَّذِينَ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ خَدَمُهُمْ ، بِالْخِيَامِ يَتَنَعَّمُونَ ، وَبَيْنَ الْحُورِ يُحْبَرُونَ ، عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ فِيمَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ .


وَفِي مَشْهَدٍ مَهِيبٍ وَاحْتِفَالٍ بَهِيجٍ ؛ يُسَاقُ أَهْلُ الْكَرَامَةِ إِلَى دَارِ كَرَامَتِهِمْ وَإِقَامَتِهِمُ الأَبَدِيَّةِ ؛ بِأَجْمَلِ وَصْفٍ وَأَعْظَمِ تَقْدِيرٍ وَأَرْفَعِ مَكَانَةٍ ، تُحَيِّيهِمُ الْمَلاَئِكَةُ بِالسَّلاَمِ ، وَتُهَنِّئُهُمْ بِالْخُلُودِ وَالدَّوَامِ .


قَالَ تَعَالَى : 


﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ 


[الزمر: 72]


يُسَاقُ السُّعَدَاءُ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ بِتَحْقِيقِ تَوْحِيدِهِ ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ وَالْبُعْدِ عَنْ مَعَاصِيهِ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ : الْمُقَرَّبُونَ ، ثُمَّ الأَبْرَارُ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ؛ كُلُّ طَائِفَةٍ مَعَ مَنْ يُنَاسِبُهُمْ : 


الأَنْبِيَاءُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ ، وَالصِّدِّيقُونَ مَعَ أَشْكَالِهِمْ ، وَالشُّهَدَاءُ مَعَ أَضْرَابِهِمْ ، وَالْعُلَمَاءُ مَعَ أَقْرَانِهِمْ ، وَكُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفٍ ، كُلُّ زُمْرَةٍ تُنَاسِبُ بَعْضَهَا بَعْضًا .


﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾


أَيْ : وَصَلُوا إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ، وَالأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ .


قَالَ تَعَالَى : 


﴿وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ 


فَيَكُونُ أَوَّلَ الدَّاخِلِ إِمَامُهُمْ وَقُدْوَتُهُمْ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَائِلُ : 


« آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ : مَنْ أَنْتَ ؟


فَأَقُولُ : مُحَمَّدٌ .


فَيَقُولُ : بِكَ أُمِرْتُ لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ» .


[رواه مسلم]


ثُمَّ تَدْخُلُ أُمَّتُهُ قَبْلَ كُلِّ الأُمَمِ .


كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : 


« نَحْنُ الآخِرُونَ الأوَّلُونَ يَومَ القِيامَةِ ونَحْنُ أوَّلُ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ » 


[رواه مسلم]


تَدْخُلُ أَوَّلُ زُمْرَةٍ الجَنَّةَ قَالَ عَنْهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


« علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ والذينَ علَى إثْرِهِمْ كَأَشَدِّ كَوْكَبٍ إضَاءَةً ، قُلُوبُهُمْ علَى قَلْبِ رَجُلٍ واحِدٍ ، لا اخْتِلَافَ بيْنَهُمْ ولَا تَبَاغُضَ ، لِكُلِّ امْرِئٍ منهمْ زَوْجَتَانِ ، كُلُّ واحِدَةٍ منهما يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِن ورَاءِ لَحْمِهَا مِنَ الحُسْنِ ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا ، لاَ يَسْقَمُونَ ، ولاَ يَمْتَخِطُونَ، ولاَ يَبْصُقُونَ ، آنِيَتُهُمُ الذَّهَبُ والفِضَّةُ، وأَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، ووَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الألُوَّةُ ، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ» .


[رواه البخاري]


أَوَّلَ مَا يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ مَاذَا يُقَدَّمُ لَهُمْ مِنْ ضِيَافَةٍ ؟


اسْمَعُوا لِكَلاَمِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَمَا سَأَلَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ : 


« فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟


وَالتُّحْفَةُ أَيِ : الضِّيَافَةُ وَمَا يُلاَطَفُ بِهِ الضَّيْفُ .


قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


« زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ »


أَيْ : طَرْفُ كَبِدِ الْحُوتِ وَهُوَ أَطْيَبُهَا .


قَالَ : « فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا » بَعْدَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ زِيَادَةِ كَبِدِ الْحُوتِ ؟ 


يعنى مَا الطَّعَامُ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ ؟ 


فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 


« يُنْحَرُ لهمْ ثَوْرُ الجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أطْرَافِهَا » .


قَالَ : فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ ؟ 


قَالَ : « مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً .


قَالَ : صَدَقْتَ » .


ثُمَّ يَأْتِي النَّعِيمُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَعِيمٌ ، وَالأُنْسُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أُنْسٌ .


يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :


إِذَا دَخَل أَهْلَ الْجنَّةِ الجنَّةَ يقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ ؟ 


فَيقُولُونَ : أَلَمْ تُبيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ 


أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ ؟ 


فَيكْشِفُ الْحِجَابَ ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ .


[رواه مسلم]

واعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ الْمُبَارَكَةِ وَالاِلْتِحَاقِ بِرَكْبِهَا : 


مَنْ يُوَفَّقُ إِلَى تَوْبَةٍ صَادِقَةٍ نَصُوحٍ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ حَيَاتَهُ الدُّنْيَا .


قَالَ تَعَالَى : 


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ 


[التحريم: 8]


وَمِنْ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ الْمُبَارَكَةِ وَالاِلْتِحَاقِ بِرَكْبِهَا : 


الإِيمَانُ بِاللهِ الْمَقْرُونِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ .


قَالَ تَعَالَى : 


﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾


 [البقرة: 25]


وَمِنْ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ الْمُبَارَكَةِ وَالاِلْتِحَاقِ بِرَكْبِهَا : 


طَاعَةُ اللهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .


قَالَ تَعَالَى : 


﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ 


[النساء: 13]


وَمِنْ أَسْبَابِ التَّوْفِيقِ لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ الْمُبَارَكَةِ وَالاِلْتِحَاقِ بِرَكْبِهَا : 


الاِسْتِقَامَةُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى : 


﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾


 [فصلت: 30]


فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاغْتَنِمُوا حَيَاتَكُمُ الدُّنْيَا قَبْلَ رَحِيلِكُمْ مِنْهَا وَكُونُوا فِيهَا عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ ؛ فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلاَ حِسَابٌ وَغَدًا حِسَابٌ وَلاَ عَمَلٌ .


 ﴿وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ﴾ 


[الأعلى: 17]


اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْفَعَ ذِكْرَنَا ، وَتُصْلِحَ أَمْرَنَا وَتُطَهِّرَ قُلُوبَنَا وَتَغْفِرَ ذُنُوبَنَا .


وَنَسْأَلُكَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .




فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "أَجْمَلُ رِحْلَةٍ لأَجْمَلِ مَكَانٍ"




Share To: