الكاتب و المترجم المغربي / كريم الحدادي يكتب مقالًا تحت عنوان "صناعة الضحك"
يقول أحدهم: ولد المهرج من رحم حاجة الإنسان إلى الضحك ليكون نقيد الجد في كل شيء.”
في الواقع، هناك وقت لابد أن يعبر فيه أو من خلاله الإنسان عن رغبته في الضحك. لكن ما هو الضحك؟ و ما الذي يجعلنا نتفاعل عن طريق الضحك” و ليس شيئا آخر، مع ظاهرة أو صورة أو فكرة…؟ و لم قال جون بول سارتر على لسان "غارسان": ما من داع للضحك"؟
إن أقدم نظرية للفكاهة، والتي يرجع تاريخها إلى أفلاطون وغيره من فلاسفة اليونان القدماء، هي تلك التي ” تفترض أن الناس يجدون الفكاهة في النسخ الأقدم من أنفسهم ويضحكون عليها، وفي مِحَن الآخرين بسبب شعورهم بالتفوق عليهم”.
و هذا الجانب من الكوميديا أو الضحك، لاشك موجود في عالمنا بكل أنواعه و محدداته و دوافعه. إن مجرد العودة إلى أرشيف الصور -حيث مر عليها الزمن- يجعل الإنسان يشعر أن ثمة شيء يدعوه إلى الضحك. و من القائم أن تكون الدهشة وراء الضحك، أو السخرية من الشكل أو اللباس أو الملامح أو جودة الصورة أو خلفيتها.
كما أشار عالم التحليل النفسي “سيغموند فرويد” إلى قدرة ” الموضوعات القذرة المحرمة والجنسية والدعابات التي تتناول موضوعات اجتماعية وعرقية شائكة على إثارة ضحكنا”. لما في ذلك من خروج عن المعهود، سواء تعلق الأمر بخرق قاعدة أو مبدأ أخلاقي معين، أو التضخيم من حجم الموضوع أو التقليل من شأنه.
في حين توصل بعض علماء النفس من قبيل “بيتر ماكجرو” و”كالِب وارين” – وكلاهما كان يعمل في جامعة “كولورادو بولدر” آنذاك – إلى نظريةً أطلقا عليها اسم “الانتهاك الحميد“. و مفاد النظرية هو ما يسميه الباحثان ” التعارُض بين التوقعات والواقع”. و يرى الباحثان أن “الفكاهة تنتج عندما يدرك المرء في آنٍ واحد أن ثمة انتهاكًا لمعيار أخلاقي، أو اجتماعي، أو مادي، وأن هذا الانتهاك ليس مهينًا، أو بغيضًا، أو مزعجًا إلى حدٍّ كبير”.
يقول “ماثيو إم هرلي“، من جامعة “إنديانا يونيفيرسيتي بلومينجتون” : ترتبط الفكاهة بخطأ من نوعٍ ما؛ فكل تورية، أو مزحة، أو حدث كوميدي يبدو أنه يحتوي على أحمق ما، أي أضحوكة المزحة. وعادة ما تكون الاستجابة الطبيعية هي الاستمتاع بالحماقة.” ألم يقل علي الوردي بأن البلاهة تجلب للناس السعادة و الطمأنينة؟
بالمقابل، نجد أن للضحك عيوبا. إذ يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: ” من كثر ضحكه، قلت هيبته”. في إشارة إلى ضرورة الالتزام بالوسطية و الاعتدال، و الوقوف بين التفريط و الإفراط بثبات و عن عقل.
و يذهب “مارك توين” إلى القول، في رسائل من كوكب الأرض، : ” إن جنسكم، في فقره، لديه سلاح مؤثر واحد لا جدال فيه و هو الضحك. أما السلطة و المال و الاضطهاد يمكن أن ترفع كمية ضخمة من الهراء”. و في نفس الصدد، كتب “ميخائيل باختين” في كتابه : “الحوارات المتخلية”: إن الضحك يدمر الخوف و القنوت.”
و هناك بالمقابل متشددين في بالفكاهة. و على رأسم الفيلسوف الألماني ” نيتشه” القائل: “علينا أن نعتبر كل حقيقة كاذبة، إن لم تحتو على عنصر الفكاهة”.
ما الذي يثير ضحكنا؟ لماذا نضحك؟ أليس في الضحك نوع من فقدان الذاكرة المتأرجح بين الوعي و اللاشعور؟ ألسنا نتجاهل حاضرنا اللحظي، حين نضحك؟ ألسنا نضحك على أنفسها حين نبادر بالضحك؟
مراجع:
- جيوفاني ساباتو، ما المضحك إلى هذا الحد؟ علم تفسير الضحك، علماء النفس، وعلماء الأعصاب، والفلاسفة يحاولون فهم الفكاهة، مجلة “للعلم”، 27 أغسطس، 2019.
- علاء رشيدي، ما فعله الضحك بالتاريخ، مؤسسة ذات مصر للدراسات و الأبحاث.
Post A Comment: