الأديب المصري / محمد نور يكتب مقالًا تحت عنوان "كيف تقرأ التاريخ"
كيف تقرأ التاريخ
ان التاريخ هو العبرة الذي يجب أن تحاول أن تلم به جيداً حتى تعتبر منه ما تحتاط به في الحاضر والمستقبل، وتحريف التاريخ هو جرم في حق الشعوب، ولكن للأسف ابداً لم يحاسب أحد على تحري التاريخ على مر التاريخ.
عندما تعيش فترة من التاريخ الساخن متابعاً جيداً لتلك الاحداث الساخنة قد تدرك وقتها أن التاريخ يكتب متبعاً الهوى أحياناً والفائدة أحياناً أكثر، لذا يجب أن تعرف جيداً كيف يقرأ التاريخ وتقرأ الأحداث كغير متخصص في هذا المجال.
في مصر نمت حضارات مختلفة وكل حضارة ذات تاريخ وكلهم ربما كتبوا كما يشاء الكاتب أن يكتب، وربما كتب الجميع ولم يبقى غير ما أراد الحاكم أن يبقى، والاحتمالات كثر على صحة ما كتب او عدم صحته، ونحن كقارئي تاريخ بعد سنوات بعيدة من الأحداث لا حول بنا ولا قوة غير أن نصدق ما كتب إن لم يكن موجود ما ينفيه أو أن نعيش على نظريات تاريخية تبدأ بكلمة ربما.
ولكن عندما نتكلم في اخر قرنين من الزمان في ظل الثورات الصناعية والحضارية لا يجب علينا أن نخطئ التقدير فيما كتب وخاصة أن خلال هاذين القرنين تم تسجيل كل شيء تقريباً ولم يستطع أحد طمس شيء كتب ولو كان كتب مخالفاً لسلطان الحكم، وهنا تكمن إشكالية أكبر من عدم وجود نصوص من الأساس إلى تعدد النصوص المتباينة والمتشاحنة.
فإن فكرت أن تقرأ القصة التي أدت إلى إنقسام شبة الجزيرة الكورية إلى بلدين متباينين ومتحاربين ومتصارعين فقد تقرأ آراء شديدة الاقناع في صف أي من الدولتين، وقد تتعاطف مع من أستاعنوا بأمريكا أو مع من أستعانوا بالاتحاد السوفياتي والصين، وربما قد تتعاطف مع الجنود الصينين أنفسهم ولكن الحقيقة الواحدة التي يجب أن تعرفها أن فقط من يستحق التعاطف هو الشعب الأعزل الذي لم يكن يهتم سوى بعمله ولكنه فقد منه ما يقارب ربعه.
الحرب الكورية صنعتها القوى العظمي المتحاربة خارج حدودها وكتب فيها مجلدات لم يذكر فيها إسم من أسماء المواطنين الذين قتلوا بدم بارد وهم يعملون في المزارع، ولكن كل قادة الحرب والمعارضة والساسة الذين أشعلوا تلك الحرب أسماءهم مدرجة في قوائم البارزين في كلا الكوريتين.
هذا هو التاريخ الذي يفخر به الجميع دون أن ينظر إلى صناع التاريخ الحقيقي وهو شعوب الأوطان.
مصر التي فقدت حريتها قدر عشرون قرناً من الزمان نمت على أرضها حضارات متعاقبة وتاريخ طويل ولكن كل كتب تاريخه كما يحب أن يكتب مستنكراً الشعوب.
واما عن التاريخ في مصر خلال القرنين من الزمان فقد كتب كما يكتب في كل مكان تحت تأثير الفائدة والهوى وربما أحيانا كتب كناية في الآخرين لذا علينا ان نتحرى الدقة لمعرفة التاريخ الصحيح لكي نستطيع أن نمر من الحاضر الضيق لنصنع المستقبل بصورة أفضل.
التاريخ لا يقرأ مما كتب المؤرخين فقط ولكن التاريخ حياة كاملة تقرأها بالكامل لكي تحكم على الزعماء والاحداث دون مواربة ودون مغالاة.
وإن لم تفعل فلم تقبل من أحد أن يلعن حكم محمد علي رغم أنه كون جيش مصري من المصريين لكي يحارب من أجل الدولة العثمانية، ثم ضد الدولة العثمانية، وانفق الموارد التي جمعها من المصريين الفقراء في حروب لم يستفد منها الوطن بشيء، ولم تقبل فكرة أن محمد علي باع كل أرض مصر الزراعية لرجاله من الأعيان وحول الفلاح المصري الذي كان يزرع بنظام الإلتزام إلى فلاح يعمل بالأجر لدي الاقطاعيين والأعيان.
ولن تقبل أن أحمد عرابي كان سبباً رئيسياً في إحتلال مصر بثورته التي بنيت أساساً على طلبات تخص الضباط المصريين ونكاية في بعض الضباط الجراكسة والأتراك، ولم تقبل فكرة أن أسرة محمد علي بالكامل لم تكن تهتم بمصر رغم شعاراتهم الوطنية، حتى صاحب النهضة العمرانية في مصر الخديو إسماعيل الذي أرسل فرقة من الجيش المصري لتدعم صفوف الجيش الفرنسي في حملة نابليون الثالث في المكسيك وأذكر أن تلك الفرقة لم يعد منها غير بضع جنود.
ولن تقبل فكرة أن الخديو عباس الأول أخر خديو في مصر مثله مثل الخديو توفيق والسلطان حسين كامل وما تلاه حيث كان فقط للتوقيع على ما يمليه عليه الانجليز وقت الاحتلال.
ولن تقبل فكرة أن خطاب السلطان فؤاد للملك جورج ملك بريطانيا من أجل الموافقة على تحويل السلطنة إلى مملكة يكون فيها الحكم لأبناءه يعد خيانة في حق سلطته ووطنه.
ولن تقبل فكرة أن الملك فاروق جبن حين وقع على تعيين النحاس رئيس للوزراء في غرفة نومه وتحت تهديد العزل من السفير البريطاني.
وربما لم تقبل فكرة أن الرئيس عبدالناصر كان وطنياً مثله مثل كل من تبعه من العسكريين حتى الرئيس الحالي.
ولن تقبل فكرة أن المثالية الذي كان يفكر فيها اللواء محمد نجيب كانت حتماً خطأ كاد أن يغرق البلاد في الفتنة والتشرزم.
وكيف تقبل تلك الأفكار أو لا تقبلها دون أن تعرف الحقائق التي كتبت والتي لم تكتب، وكيف لك أن تعرف الحقائق التي لم تكتب إن لم تكن تكتب في التاريخ.
لذا كان لزاما علينا أن نجيب على هذا السؤال
كيف نقرأ التاريخ؟
التاريخ يقرأ من الثقافة المجتمعية
الأديب المصري / محمد نور يكتب مقالًا تحت عنوان "كيف تقرأ التاريخ"
Post A Comment: