حديث الجمعة | القدوة الحسنة 57 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف
أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن القدوة الحسنة فى تيسير الزواج ووصلًا بما سبق أقول وأسأل الله لى ولكم القبول وتحقيق المأمول
عن الحملة التوعوية
﴿ لتسكنوا إليها﴾
ما أجمل السكن الموصول بطاعة الله وبالاقتداء بسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم
لماذا وصف القرآن المرأة مادحاً لها بأنها هي السكن وليس الرجل؟ سؤال مهم يحتاج منا لتوقف وتأمل لنعرف كيف تكون المرأة سكنًا للرجل ؟ وهل يمكن أن يكون الرجل سكنًت للمرأة ؟ فقد يملك الرجل عدة عقارات ومساكن ولكنه يفتقر للسكن الحقيقى وهو المرأة في حياته، ولا أقول هذا نظريًا بل سمعت هذا الكلام من خلال عرض المشاكل الزوجية فى المساجد والمنتديات ولجان الفتوى وفى بيتى من خلال الوفاق الأسرى من عدة رجال كانوا يصارحوننى بمشاعرهم الداخلية، ويقولون لى بأنه لا ينقصهم شيء من المال والصحة والجاه والمنصب ولكنهم يفتقرون للراحة النفسية بالسكون والسكينة لامرأة يحبها وتحبه، فهل السكن في البنيان أم في راحة الإنسان؟
فالله تعالى وصف المرأة بالسكن عندما قال ﴿وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ إِذَاۤ أَنتُم بَشَرࣱ تَنتَشِرُونَ ٢٠ وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ ٢١﴾ الروم .
فالمرأة سكن للرجل كما أن الرجل مركز أمان للمرأة، ويجمع بينهما المودة والرحمة، فالمرأة تربى الأبناء وتجمعهم وتدير البيت من الصباح إلي المساء وهي تؤدى عملها هذا بحب وشوق، ويشعر الرجل بفراغ كبير في حياته لو فقد المرأة حتى لو كان يملك المساكن الكثيرة، فهى إِذَنْ سكنٌ ومسكنٌ للأسرة
وكونُ المرأة سكن إِذَنْ هى لديها مرافق السكن الحسن وهذه من المهارات التي تمتلكها المرأة لتكون سكنا وراحة، فالزوجة عندها غرفة للحنان، وغرفة للحب، وغرفة للأمان، وغرفة للراحة، وغرفة للترفيه، وغرفة للتمريض، وغرفة للتغذية والصحة، وغرفة للحوار والحديث، وغرفة للإدارة، وغرفة للنظافة، وغرفة للزينة، وغرفة للعلاقة الحميمية، وغرفة للتربية، وغرفة للتعليم، فكل هذه الغرف عبارة عن أعمال وخدمات تقوم بها الزوجة في البيت ولهذا هي (سكن) وراحة وطمأنينة
واستقرار
ولو تأملنا الآيات القرآنية التي وردت بها كلمة (سكن) لفهمنا المقصود، قال تعالى واصفا الليل:{ وَجَعَلَ ٱلَّیۡلَ سَكَنࣰا }الأنعام ٩٦ أي يرتاح فيه الناس، وقال عن صلاة النبي عليه السلام ودعائه للمؤمنين {وَصَلِّ عَلَیۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنࣱ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ}التوبة ١٦٦
أي أنهم يطمئنون ويسكنون إلى دعواتك ، وفي العلاقة الزوجية قال الله تعالى:{ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِیَسۡكُنَ إِلَیۡهَاۖ }الأعراف ١٨٩
أى أن حواء خلقها الله من آدم ليسكن إليها، فالمرأة هي سكن الرجل ومحله الذى يطمئن إليه ويستقر لأن المرأة لها دور عظيم في حياة الرجل ولا يستغنى الرجل عن المرأة في حياته مهما حاول، فالمرأة هي سكن للرجل، والرجل أمان للمرأة فكل واحد منهما يعطى الآخر ما يحتاجه ويشعره بالراحة والإستقرار
والسكينة على وزن فعيلة، أي تعني الوقار وليس فقد الحركة، وهذا مؤشر على أن العلاقة الزوجية التي يصفها القرآن (بالسكن) لا تعنى عدم وجود مشاكل، فالمشاكل من حركة الحياة، وهذا أمر طبيعى، ولكن السكن يعنى الطمأنينة والراحة، ولهذا فقد وصف الله قلوب المؤمنين بها فقال:{هُوَ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ لِیَزۡدَادُوۤا۟ إِیمَـٰنࣰا مَّعَ إِیمَـٰنِهِمۡۗ} الفتح ٤ أى أوجد فيها الثبات والاطمئنان ، وتقول العرب سكنت الريح أي هدأت، فهذه كلها من معاني السكن والسكينة
والسكن الزوجى هو الذى توفره الزوجة ويساعدها عليه الزوج لتحقيق الراحة والأمان والاطمئنان، فسكن البنيان مهم وسكن الإنسان وراحته النفسية هو الأهم، فكم أنفقنا من الأوقات والأموال لحل أزمة السكن في دولنا ولكن هل يمكن ان ننفق مثل هذه الجهود لحل أزمة السكن الزوجى بالمعنى القرآني؟
نعم إن حروف (السكن) واحدة ولكن هناك فرق بين السكن المنزلى والسكن الروحى بين الزوجين و من العجب أن يجعل الله العلاقة بين الزوجين اللذين كانا يومًا غريبين، عن بعضهما أجنبيين، أوثق وأقرب وأعمق من علاقة الوليد بأمه؟! لكن ما بال سائر الأزواج زاهدين غير مبالين؟ ولماذا يجعلون الزواج عادة وتقليدًا، ولا يجعلونه أُلفةً وسكنًا؟ قال تعالى: {هُوَ الذى خَلقَكم من نَفْسٍ وَاحدَة وَجَعَلَ منْهَا زَوْجَهَا ليَسْكنَ إليْهَا} [الأعراف:189]. وقال جمهور المفسرين: "المراد بالنفس الواحدة آدم، وبزوجها: حواء" (الجامع لأحكام القرآن
والسكن كما بين القرآن لا تأتى به إلا الزوجة، فهى التى تزيل وحشة الرجل وتخفف عنه همه، وتحمل معه أعباء الحياة؛ يأتى إليها الزوج بعد يوم عمل طويل ليأنس بها ويسعد بصحبتها، ويركن إلى مسامرتها، فينسى همومه ومشكلاته. ولعل هذا مُشاهد ومُلاحظ في حياتنا اليومية؛ فالرجل لا يستطيع أن يعيش دون المرأة ودون (السكن) الذي توفره له، فهو يسارع إلى الزواج، بل إنه قد يعدد الزوجات، في حين تعيش المرأة دون الرجل إما عانسًا وإما مطلقةً أو أرملةً، فتتغلب على مشكلاتها، وتعوض نفسها عن فقدها الرجل، وتملأ حياتها بأى نشاط. وقد أثبتت الدراسات أن المتزوجين يتصفون عادة بالاتزان العقلى والخُلقى، وحياتهم هادئة قلَّما يشوبها الاكتئاب أو السوداوية، وقلَّما يفكرون بالانتحار، فالزواج إذًا ليس إبقاء للنسل فقط، ولكن فيه ما هو روحى -المودة-، وفيه ما هو مادى -الخدمة والطعام-، وفيه ما هو تعبدى -الاستغناء بالحلال عن الحرام- وفيه (البنون) زينة الحياة الدنيا، وكل هذا مُجْتَمِعًا يوفر (السكن) للرجل ويشبع حاجته إليه. والذكي والحكيم من الأزواج من يجعل من امرأته (سكنًا) حقيقيًّا فيتخذها صديقة مخلصة وفيَّة، وقد كانت خديجة رضي الله عنها خير صديق وأفضل سكن، وقصتها مع النبى يوم نزل جبريل أشهر من أن تروى، ووقوفها إلى جانبه حتى ماتت رضى الله عنها أشهر من أن تذكر. ونابت عنها -فيما بعد- أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها -وإن لم تبلغ مكانتها- حتى أن النبى لما سئل عن أحب الناس إليه قال على الفور: "عائشة". وقد كان جوابه مفاجأة للسائل الذى توقع أن يكون المحبوب رجلًا لا امرأة، وكان عليه السلام يسكن إلى أزواجه فيحدثنه ويحدثهن، ويسألنه ويناقشنه فيباسطهن ويلاطفهن، ويعاتبنه وتهجره إحداهن إلى الليل فيسامحها ويتجاوز عنها. أوليس من العجب أن يجعل الله العلاقة بين الزوجين اللذين كانا يومًا غريبين، عن بعضهما أجنبيين، أوثق وأقرب وأعمق من علاقة الوليد بأمه؟! لكن ما بال سائر الأزواج زاهدين غير مبالين؟ ولماذا يجعلون الزواج عادة وتقليدًا، ولا يجعلونه ألفةً وسكنًا؟
نفعنى الله وإياكم بما نقول ورزقنى وإياكم العمل والقبول بجاه سيدنا الرسول
صلى الله عليه وسلم.
Post A Comment: