الكاتب الصحافي الأردني الفلسطيني / خالد جهاد يكتب مقالًا تحت عنوان "معاوية غالب.. للصورة أكثر من عطر"
ليس الأردن بذلك البلد الذي تستطيع أن تحصره في صورةٍ أو إطارٍ واحد أو تعتقد بأنك ملكت أسراره عند رؤيته من زاويةٍ معينة، فهذا البلد برغم كل المشكلات التي يعيشها من جهة والمحيطة به من جهةٍ أخرى هو بمثابة لغز لأرضٍ بكر لم يكتشف من جمالها وكنوزها سوى النزر القليل، وليس هذا الكلام مجرد غزلٍ أو عاطفةٍ مرسلة وجدت طريقها من القلب إلى الورق لتصيغ إحساسنا به، فهناك شيءٌ يتطاير مع هواءه لينفذ إلى مسام الروح التي تعرف بفطرتها أنه لا يشبه أي مكانٍ آخر وإن كان توأم فلسطين، وشقيقاً لسوريا والعراق ولبنان، ونقطة لقاء الجزيرة العربية بالشام، لأن هذا النسيم وهذه الأرض وتلك الأحجار والبيوت والجبال وذاك العطر الدافىء يملك من نضارة الشباب وشموخ التاريخ ما يجعل جماله في تعدد ألوانه وخصوصيتها التي نرى بعضاً من سحرها عبر عدسة المصور الأردني معاوية غالب..
تجربته الفنية المميزة والتي يشارك فيها شغفه مع عددٍ كبير من المصورين المحترفين الأردنيين الذين يتفنون في استكشاف الجمال على امتداد التراب الأردني حققت صدىً وترحيباً عربياً، كما أنها نقلت عدة أوجه لا ينقلها الإعلام بشكلٍ منصف وكافٍ عن المواقع الأثرية والتاريخية والتي تضيء بدورها على التنوع البيئي الذي تحتضنه الأردن، فكاميرا معاوية غالب لم تكن فقط مرصودةً لتصوير المناطق السياحية، بل كانت تقتنص اللحظات والظواهر الفلكية النادرة التي مرت بسماء الأردن واستطاع التقاطها بمنتهى الوضوح وبدقةٍ عالية من عدة مناطق في البادية الأردنية وكانت بمثابة لوحاتٍ فنية مميزة، ولا تقل اللقطات الفنية التي التقطها في مناطق مثل عجلون وسد الأمير طلال في محافظة جرش عنها من الناحية الجمالية والتقنية التي تبرز المساحات الخضراء والمناظر الطبيعية الخلابة التي تعد بمثابة ثروة حقيقية وإنسانية للوطن ككل، وهو ما يحاول مصورنا ابرازه من خلال توثيق اللحظات التي تمثل صوراً من الحياة اليومية لأهل المناطق الريفية والصحراوية، والذين التصقت أيامهم ولحظاتهم بها وكانت معها فأصبحوا جزءاً منها كما تجذرت بداخلهم وأصبحت جزءاً منهم ونمت على ملامحهم وتعابيرهم فصارت تشبههم حد التطابق، والذي يمكننا أن نلحظه في الوجوه وفي مختلف المراحل العمرية حيث تتجسد تلك الوحدة الصادقة بين الأرض وأصحابها وكل ما عليها في مشهدٍ متناغم..
ونلحظ في عدة تجارب وإن كانت قليلة نسبياً من حيث العدد ذاك الملمح الذي يحاول خلق صورةٍ شاعرية للإنسان وحالاته النفسية والوجدانية التي يعيشها والتي تجمعه بالطبيعة في أوقاتٍ مختلفة بين غروبٍ وشروقٍ وضباب ولحظات تجلٍ مسائية بشكلٍ جميل وراقي نتمنى أن يعود إلى التركيز عليه لتميزه فيه وقدرته على إضافة المزيد إلى رصيده الفني، تماماً كما تقوم بذلك الصور الفوتوغرافية من مختلف المناطق الأردنية الجميلة، كون هذا الخط أو الأسلوب في التصوير أقل شيوعاً في العالم العربي وبين مصورينا على اختلاف ثقافاتهم وأفكارهم كما أنه ليس بنفس التنوع والقوة مقارنةً بالتجارب في مختلف الدول من حيث الكم والكيف وهو حاجةٌ ملحة لنا كأشخاص نبحث عن انعكاسات حقيقية ومعبرة عن دواخلنا وتشبهنا في مختلف جوانب حياتنا..
وبكل تأكيد فإن الطبيعة بمثابة متحفٍ مفتوح ومدرسةٍ مجانية لكل فنانٍ ومبدع حيث تظل مصدر الإلهام الأول، وفي بلدٍ جميل يملك الكثير كالأردن نحتاج إلى الكثير من المصورين والفنانين الحقيقيين القادرين بموهبتهم على نقل ما تفيض به هذه الأرض من ثقافةٍ وجمالٍ وحضارة من أمثال المصور الأردني معاوية غالب، والذين نأتمنهم على كنوز بلادنا ونثق في قدراتهم وفي عينهم التي تملك إحساساً تجاه كل ما هو جميل وتؤكد أن للأردن صوراً تفوح بأكثر من عطر..
Post A Comment: