الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب مشهد سريع تحت عنوان :لعنة المصدح


الأديب التونسي / أ. المختار عيادي يكتب مشهد سريع تحت عنوان :لعنة المصدح

 

ارتدى كسوته اللماعة و جال بين الوافدين يمازحهم و رائحة عطره تعبق في الأرجاء، و صوت هاتفه لا يكف عن الرنين، في انتظار الاجتماع الشعبي العام الذي سينطلق بعد لحظات...غصت الساحة الفسيحة بالضيوف و ملأت الموسيقى محيط المكان و رفعت الشعارات عاليا .. أحس الرجل بعظمته و تخيل إعجاب الناس بأناقته و لياقته .. 

حان الموعد و أمسك الخطيب بالمصدح و نقر بإصبعه للتأكد من سلامة انسياب الصوت للجميع .. قدم التحية المقتضبة، و حين أنهاها، تفككت حبال أفكاره و لم يجد منفذا لغويا يربط به حلقات خطابه التائه بين صفوف الجماهير الهادرة .. التفت إلى ركن بعيد يحاول تجنب النظرات الثاقبة ، زاد ارتباكه و تسللت بعض شهقاته و ارتعاشات صوته عبر مضخم الصوت ، حتى كأنه يسبح في ماء بارد ..شعر بتقلص في عضلاته و ضعف في نبراته و ضياع في عباراته.. أراد أن يتراجع إلى الخلف و إعلان الهزيمة، لكنه كابر تحت تصفيق الجماهير التي بثت في رئتيه قدرا من الاكسيجين و انتشلته من عمق التيه  ، استند إلى الحائط و سحب من جيبه منديلا ورقيا يجفف به عرقا غزيرا تصبب من جبينه ، ساعيا إلى كبح ارتعاد أطرافه ، قبل أن تخور قواه نهائيا و  يحيل الكلمة إلى زميله التالي ...ليواصل مهرجان الارتجال و حقن الآمال .

تراجع إلى طاولة التشريفات مبتل الجوانب فاقع الوجه ، و قد تغيرت ابتسامته إلى ما يشبه الرسم المشوش ... شعر بثقل ذراعيه و عجز عن تحريك جفنيه و تحولت أهازيج ما قبل اللقاء، في أذنيه، إلى قهقهات سخرية و ازدراء.. المسكين، لن يتخلص من سهام العيون و هي تلتهم منسوب الثقة الوهمية التي بناها من طوب هين ،  يذوب كلما اشتد السيل ./ .






Share To: