الأديبة السورية / د. فادية كنهوش تكتب مقالًا تحت عنوان "عبور الى عالم "جديد" ؟!"


الأديبة السورية / د. فادية كنهوش تكتب مقالًا تحت عنوان "عبور الى عالم "جديد" ؟!"

 


"العبور" من ..والى...لقد عبر النبي موسى _بحسب الرويات الدينية_ البحر الأحمر، مصحوبا بالشعب اليهودي هروبا من ظلم فرعون وطغيانه. وكان هذا العبور -غير طبيعي- محفوفا بكل انواع المغامرة والخطر كما انه كان برعاية إلهية جعلته ممكنا لا بل وسبّب هذا العبور غرق رمسيس الثاني الجبار. اذن كانت لهذا العبور اهداف سامية وهي الوصول الى برّ الأمان والأرض الموعودة بحسب الرؤية اليهودية... فلقد كان انتقالا في الجسد، اي مادي ولكن بهدف معنوي اي روحي . وكذلك في المجال الديني نسمع كلمة "عابر" عن الإنسان الذي اقتنع بدين آخر غير دينه الذي هو عليه فقرر الانتقال من ضفة عقائده التي عاش عليها حتى الآن الى ضفة العقائد التي يطمح الانتماء اليها بهدف روحي ايضا وهو الوصول ( وذلك بحسب قناعته الجديدة )الى أقصر الطرق وأصدقها الى الجنة الموعودة وهذا العبور الروحي من مكان ايديولوجي معيّن الى مكان ايديولوجي آخر هو ايضا محفوف بكل انواع المخاطر التي قد تشمل الوجود المادي للعابر الروحي عدا عن الصعوبات المعنوية المفروضة  عليه في مجتمعه بطبيعة الانتقال.  وقد نعتبر هذا العبور مؤشر ايجابي للدلالة عن حرية الفكر والاعتقاد واحترام حقوق الانسان الأساسية لا سيما اذا كان منزّها عن الأطماع المادية والسياسية . 

أما في أيامنا الحالية فقد كثر الحديث عن " العبور الجنسي " (transgenre)  وهو عبور مادي جسدي وروحي من حالة خلقية جسدية تصحبها تغييرات روحية الى حالة جسدية اخرى وما يرافقها من طريقة تفكير وحياة. ولهذا العبور ايضا مخاطره الكثيرة وربما محاسن في بعض الحالات لا يمكن ان تعمّم. وقد وُضِعَت كل إمكانية الطب الحديث في خدمة هذا العبور الذي أدعوه إيجابي: عندما يكون الفرد، بسبب خلل ولادي جسدي، ضائع بين " حالتي الأنوثة والذكورة " .فقد يكون قد وُلِد بأعضاء ذكورية ولكن هرمونات الأنوثة هي الغالبة فيعيش سلوكيا وفكريا في عالم الأنوثة ويعاني من رفض وتحقير المجتمع له، او العكس تماما فقد يولد الشخص بجسد انثوي وهرمونات ذكورية غالبة مما يجعله ايضا في عالم وسطي ضائع عن تحديد هويته الجنسية. وقد وجد الطب طرقه وادواته لمساعدة مشروعة لتلك الفئة من الناس. هذا عبور مادي وروحي ايجابي ذو هدف سام وهو استقرار هذا النوع من المرضى ونقلهم الى خانة الناس " الأسوياء" وبالتالي لتأدية ادوارهم في المجتمع على هذا الأساس.ولكنه ايضا عبور محفوف بالآلام والمخاطر، الآم جسدية للعمليات الجراحية وآلام نفسية للتأقلم مع المجتمع وتقبّله لهم، فقد كان هذا الموضوع ولا زال احد انواع " التابو " في المجتمعات وخصوصا الشرقية.

وككل ما توصل اليه العلم الحديث وخصوصا في الطب وهو بالأصل ذو غاية نبيلة كالجراحة التجميلية مثلا في استئصال اصبع سادسة تعيق الحركة أو إصلاح انف مكسور او ترميم جلد محروق الخ...صارت الجراحة التجميلية الآن سلعة تجارية وابتعدت عن غايتها النبيلة وأغرقت المجتمع ب ،" قيم" جديدة تفّهت كل ما هو أصيل خصوصا في وجود الأنثى ..._وهذا ليس موضوعنا_أصبح موضوع العبور الجنسي" transgenre " موضوع تجاري واكثر واخطر من ذلك، موضوع فكري وسياسي هدام لبنية المجتمع في مفهومه الذي نشأت المجتمعات الغربية والشرقية قاطبة عليه على مرّ السنين والأجيال والإيديولوجيات والأديان وكل جوانب تطور الإنسان...فصرنا نسمع تعميم في المجتمعات الأوروبية والأمريكية حول إتاحة العبور لكل طفل سليم البنية والروح حتى ان بعض الروضات( قرأت عن نموذج في كندا) يعامل فيه الطفل كنكرة جنسيا ويضعون امامه خيارات يتبناها مستقبلا حتى لو خالفت طبيعته السليمة..وذلك بإغراق وتشويه لما يسمونه " حرية الفرد في اختيار هويته". حتى ان أحد الأمراء ، عندما رزق بمولود ذكر سليم رفض تحديد جنسه وقال للإعلام إنه_ اي الطفل_  سيختار مستقبلا هويته الجنسية..فبدأت بالسنوات الأخيرة تزداد طلبات المراهقين في العبور الجنسي..العبور الغير مبرّر جسديا إلا بخلل روحي سببه هذه التربية " المحدثة". وطبعا هناك لا زال القليل  من المفكرين الواعين الى ما يجري يحاربون في سبيل توعية العائلات والمجتمع بكل شرائحه لخطورة ما يحصل. فلقد وضعت الباحثتين  

"Caroline Eliacheff et Céline Masson " 

في الشؤون النفسية كتابا تحذران فيه من مخاطر " العبور الجنسي" الغير مبرّر  عند القصّر. وتقولان أن هذا النوع من التربية ( التي تهدف الى تصفير ومحو الميول التي خُلِق الطفل بها والتي قد تكون وراءها ما وراءها من تخريب القيم الدينية والاجتماعية..)‘ وكذلك تأثير شبكات التواصل الاجتماعي قد خلقتا معا رؤية او مفهوم جديد لعدم الاستقرار الجنسي أو الشعور بأن الشخص قد ولد في الجسد الخطأ. فقد خلقت هذه " التربية " اطفالا مرضى مدى الحياة فهم سيخضعون لتعاطي الهرمونات مدى الحياة وجراحات مؤلمة ومكلفة وتشتُت وجودي فكري لا طائل منه تحت مسمّى " التحرر من القيود أو التقدم الإنساني" الزائف طبعا. وعلما ان الكثير من المراهقين يعلنون ندمهم حول قراراتهم في تغيير الجنس ولكن هناك جهات تكبت تلك الأصوات التي جاهرت بذلك لأهداف تجارية، سياسية وايديولوجية والله أعلم... يطول الموضوع وهو ليس بالموضوع البسيط في معالجته..فموضوع " العبور" إن لم يكن ذو أهداف سامية في أسباب حصوله فهو ذو منحى هدام، ويبقى للعقل وأحكامه الفيصل في ادارة وتربية أطفالنا وتدارك حاجتهم الفعلية للمعالجة الجسدية والروحية...

وإن لله في خلقه شؤون...





Share To: