الأديب المصري / محمد فؤاد محمد يكتب :  (الميلاد وحكايات الخريف ) ديوان الشاعر يس الفيل


الأديب المصري / محمد فؤاد محمد يكتب :  (الميلاد وحكايات الخريف ) ديوان الشاعر يس الفيل



ولد الشاعر يس الفيل رحمه الله  سنة 1927م في قرية دست الأشراف محافظة  البحيرة وحصل على  صلاحية التدريس عام 1956م  وتوفي سنة  2014 م  وقد ترك إنتاجًا أدبيًا في معظم فروع الأدب من شعر وقصة ومسرحية ولأننا نتكلم اليوم عن ديوان من دوواين الشاعر فنذكر أعماله في مجال الشعر وهي ( الميلاد وحكايات الخريف ) سنة 1988م ( توقيعات حادة على الناي  القديم ) 1990م و(من فرسان الشعر ) 1991 ديوان مشترك و (أغنية بلا  وطن ) 1993م و (أحزان الكمان )1999م وقد حصل الشاعر على جائزة أحسن قصيدة شعر بماسبة عبد العزيز البابطين سنة 1991م  وقد جمعتني بالشاعر رحمه الله عدة مؤتمرات أدبية في أنحاء جمهورية مصر سواء في صعيد مصر أو دلتاها وكانت بداية معرفتي به في مؤتمر بأسيوط عام 1986م  ومنذ ذلك الحين فقد توطدت علاقتنا مراسلة واهتمامًا بأخبارنا الأدبية رغم فارق السن الكبير  بيننا 

 أما الديوان الذي نحن بصدد القراءة السريعة فيه اليوم وتسليط الضوء عليه هو ديوان  ( الميلاد وحكايات الخريف )

وهو الديوان الأول للشاعر" يس الفيل" رحمه الله وقد تنوعت قصائد الديوان فجاءت ثماني عشر قصيدة من الشعر المقفى وعشر قصائد من شعر التفعيلة وإن كان الشعر المقفى له طابعه الخاص عند الشاعر  ويظهر ذلك جليا في مستوى قصائده التي تذخر   بالصورة  الشعرية الجميلة المدهشة الجديدة التي تجذب القارئ ولا تشعره بالملل أو الرتابة هذا على مستوى الشكل أضف إلى ذلك خاصية أخرى من حيث  المضمون ألا وهي قضية الإلتزام القيمي  واختيار الكلمة الهادفة مما يضفي على شعر الشاعر جمالًأ وجلالًا وإن كان جلال الموضوع وحده لايعني جودة العمل الفني فللفن اعتباراته ومقايسه التي يحتكم إليها والتي نراها  ماثلة هنا في شعر الشاعر شعرا رصينا وفنا راقيا حيث يضعنا الشاعر منذ الوهلة الأولى على هذا الدرب القويم حيث يقول في المقدمة   (في رحلة العمر ) (كل يترك خطاه على صدر الزمن .. فلنترك آثار خطانا على دروب الخير )

واثناء سير الشاعر في طريقه تحوطه مواكب النور والهداية فتأخذه هزة الشوق فينطلق شدوه بأنوار الهداية  

(هزَّني الشوق إلى محرابه    علني أحظى بأنوار الهداية )

فأنوار الهداية أعطت للشاعر حكمة وبصيرة فنسمعه ينطق  بها في  قصيدة ( من أناشيد الحكمة )

( لا تكتئب وتسلح    بكبرياء الحليم 

واصبر .. لعلَّ نهارًأ   يلوح خلف السديم 

يمدُّ ألف شعاع   إلى الظلام المقيم )

فهذه الإشعاعات النَّورانية تكشف له طريق المستقيم  وتقربه  لخالقه فيدنو ويناجي ويطير بالأمل كما في قصيد (يا ألهي )

( وقد نامت عيون الناس حولي    وعينك أنت وحدك تحتويني 

وقد شدَّ الحنين إليك روحي   وطار بها على أمل يقيني 

فقربني إليك وخذ بكفِّي   وكن عند الصراط إلأى يميني )

وهكذا تنطلق تسبيحات الشعر نغمًا عذبًا رقراقًا يعانق سماوات التألق والإبداع في فضاء الله الواسع في قصيدته سبحانك :

(يراك من لا يرى صفحًا وغفرانا  وملجأ لو أشاحت عنه دنيانا 

وساحة من رضا لو عاندته قوى   وجرعته صنوف القهر ألوانا

ورحمت من عذاب الأرض لو جنحت    به السفيم وعانا فوق ماعانا 

وفرحة في زمان الحزن تحمله     لموكب يتهادى فيه نشوانا)                                 

 هكذا ينطلق الشاعر فتراه يتأمل بفكره في مخلوقات الله من أرض وسماء ومروج وصحارى فيرى ربَّه في سانحة يراه في هدأة الليل كما يراه في بسمة الإصباح 

                                                                                                                                            (  وفي قصيدة الجمال ورحلة الزمن ) نلتمس منه حكمة الشيوخ في ماهية الجمال فهو جمال يسمو على الزينة وبهرج الحياة فيقول 

(معاذ الله .. إن خدعتك دنيا  بما حملت وأغرتك الثيابُ

جمال الوجه مرحلة وتمضي ويبقى الحسن مابقي اللبابُ)

 وفي قصيدته صداقه يريد الشاعر  في لغة صوفية راقية  أن يبين أن   بقربنا من الله عز وجل

يتساقط الخريف من الطريق ويتناثر الظلام بعيدا ونأنس بالله في خطانا وفي رحلة حياتنا واقرأ معي هذه الأبيات 

(أنا إن ظمئت فإن فيك رحيقي   وإذا مللت الناس كنت رفيقي 

وإذا جلست إليك أنشد راحتي مدَّ الهدوء يدا وأذهب ضيقي

وإذا الحقيقة في الظلام تساقطت  والتفَّت الظلمات حول طريقي 

آتيت مشتاق الجوانح عاشقًا لإإذاك أروع ما تكون صديقي )

وإن كانت هناك نغمة من اليأس تمر مرَّ السَّحاب  في الديوان كما في قصيدة ( من أغوار النهر ) وقصيدة ( على قيثار السأم ) فلعلها غمرات وتنجلي وتصفو سماوات الإبداع الرصين العذب  فهذا هو الديوان الأول للشاعر المرحوم يس الفيل والذي تأخر في اصداره حتى بلوغه سن التقاعد رغم شاعريته وامتلاكه للغته وأدواته لكن يبدو أن حياته بعيدًا عن الأضواء القاهرية  كان سببًا في تأخر النَّشررحم الله الشاعر   يس الفيل 

الذي أعطى للشعر كثيرا وتبنى كثيرا من المواهب الشابة على طريق الأدب




Share To: