الكاتب الصحافي / خالد جهاد يكتب : أحمد البكار.. البحث عن حالة

يمكننا القول أنه باحث عن التجدد والتجديد، يبحث عن الصورة المختلفة والزاوية المميزة واللقطة الخارجة عن المألوف أو التي تحمل في ثناياها معنىً وجدانياً، فيفتش فيها عن حالة، عن زمن، عن أرض وانسان ووطن.. باحثٌ بشغف مع صديقته (الكاميرا) عن شعورٍ ما خلف الصورة بمشهدٍ أكثر اتساعاً يسجله المصور السوري أحمد البكار..

فمن سيتابع عدداً من أعماله سيلحظ بأنه لا يسجن نفسه في إطارٍ أو نمطٍ واحد لكنه سيلحظ هذا النفس الذي يمارس فيه بحثه الدائم عن لحظة ذات معنىً وقيمة، كما نجد بحثه عن ما تبقى من ملامح الماضي الجميل في صورٍ أو مشاهد في الحاضر وكأن الزمن توقف تدريجياً وأصبحت الحياة بالنسبة للكثيرين تعود بنا إلى الوراء لنسكن بين أحضان الذكريات التي قد نجدها في منزلٍ قديم أو ركنٍ أو زاوية أو منظرٍ صنعته الطبيعة وكأنه رسالةٌ تناجي الأرواح وتسافر بها عبر عوالم مختلفة بين الأماكن والأشخاص والوجوه والكائنات، وتبدو وكأنها تطلب منها إجاباتٍ قد لا تملكها لكنها هي الإجابة في حد ذاتها..

كما أننا نجده يبحث عن انعكاسات مستمرة وكأنها مباراة أو مفاضلة بين المتناقضات أو بين الفعل وردة الفعل، حيث هناك دوماً نوع من استدعاء الذاكرة في الحديث عن اللحظة الحالية أو المقارنة مع الحاضر عند التقاط مشهدٍ يحمل دلالاتٍ أو ارتباطاً بالأمس، وهو ما يشي بتلك الحالة التي تربط حالة بحثه المستمرة بالزمن وذلك السعي لإيجاد نوعٍ من التواصل مع الذات والذكريات والوطن الأم سوريا في تفاصيل لا تبدو وكأنها كذلك لكنها في الواقع متصلةٌ بها بشكلٍ عميق، وتجسد الكثير من الصور خاصةً تلك التي تصور الأنهار وجذوع الأشجار ذلك المعنى بين الجذور والفروع وبين الركود والمضي قدماً في رحلة الحياة التي تحمل العديد من المصادفات التي تصنعنا رغم أننا قد لا نؤمن بذلك، لكن دورة الطبيعة التي تجري بإنسيابية تؤكدها بطريقتها الخاصة، حيث لكلٍ لغته وأسلوبه العابر للحدود والذي يرتكز على الحس لا على الكلمات والحروف، حيث قد تولد الحياة على ضفاف الموت وتنبت أجمل الزهور وسط الأشواك وكأنها تصرخ قائلةً أنا هنا وانتمي إلى حيث أزهر.. وكأنها الرسالة التي وجدت لأجلها..

كما نلمح الأمل وإن كان خجولاً في العديد من الصور التي تركز على البراعم والشتلات الخضراء والورود في مسحةٍ تفاؤلية لا تغيب عن أعمال المصور أحمد البكار وتضيف إلى رصيده إلى جانب مجموعة الصور التي التقطها وطاف بها عدة أماكن، وأولى التاريخية منها اهتماماً خاصاً عدا عن تصويره للبيوت الخالية من أهلها وكأنه يشير إلى الوجع الإنساني الذي عاشه الكثير من السوريين بعد تركهم لبيوتهم ونتمنى أن ينتهي قريباً بعودتهم إليها..

ويشير هذا التنوع في الأعمال الخاصة بالمصور السوري أحمد البكار إلى شعورٍ عميق بالأشياء والزمن لا نستطيع تخطيه أو أن لا نتوقف عنده، كونه يربط المتناقضات ببعضها ويستغرق في رحلته عبر الأيام للبحث عن حالةٍ ومعنى والإستدلال على الكثير من إجابات الأسئلة الهامة بإستخدام لغة الطبيعة التي لا يتقنها سوى من تتعلق أرواحهم بها حقاً ويتقنون الإصغاء لرسائلها..

خالد جهاد..