الكاتب المغربي /  محمد طالبي يكتب مقالًا تحت عنوان "الملحدين الذين لم يعلنوا الحادهم" 


الكاتب المغربي /  محمد طالبي يكتب مقالًا تحت عنوان "الملحدين الذين لم يعلنوا الحادهم"



لا شك أنك تتساءل عزيزي القارئ، من يكون هؤلاء الملحدون الذين لم يعلنوا الحادهم، الجواب ببساطة، إنهم الناس الذين نراهم في الشوارع والأزقة والمدارس وباقي الأماكن، إنهم عامة الناس، أو فلنسميهم الناس العاديين الذين يشكلون الأغلبية العظمى من البشر. 

قبل أن نتطرق إلى صلب الموضوع لابد أن نذكر ببعض المقدمات التي تشكل دعامات أساسية تقوم عليها الأطروحة التي ندافع عنها.

 الإيمان الديني الحق (الحقيقي) هو الإيمان الذي لا يخامر صاحبه أدنى شك في صحة معتقداته الدينية، إنه الإيمان اليقيني، كما أن الإيمان الديني لا يمكن أن يكون إيمانا دون أن ينعكس على سلوكات الإنسان وأفعاله، لأن كل اعتقاد لا بد أن يترجم إلى سلوك في الواقع (مشي الإيمان فالقلب كما يدعي بعض الناس خاصة من يبررون عدم ارتداء المرأة للحجاب بحجة أن الإيمان فالقلب، وأنا لست مع نزع الحجاب، بل فقط أود أن أوضح في هذا الصدد تهافت ادعائهم)

 إذا سلمت معي عزيزي القارئ بصحة تلك المقدمتين (الإيمان الديني الحق يقتضي اليقين التام بصحة المعتقد ولابد أن يترجم هذا الإعتقاد إلى سلوك) ستكون ملزما بأن تسلم معي بما سيتم ذكره في هذا المقال.

 مادام الإيمان الديني الحق لا يمكن أن يكون إيمانا حقيقيا إلا إذا كان يقينيا، وينعكس في سلوكات الإنسان، فهذا يعني بالضرورة وبدون أدنى شك أن معظم الناس المتدينين في عصرنا الراهن، ملحدون لم يعلنوا الحادهم، أي أن إيمانهم مزيف، أو أن إيمانهم ضعيف جدا، ويكاد يكون منعدما، ولا أجد فرقا بين هذين النوعين وبين من يعلنون الحادهم صراحة. لتتضح الفكرة والصورة نضرب عدة أمثلة؛ إذا كنت يا عزيزي القارئ مقبل على امتحان لنيل شهادة ما، لتحصل على سبيل المثال على شهادة رخصة السياقة، من الطبيعي جدا أنك ستشعر بالقلق والخوف من الرسوب في الامتحان، لأن احتمال الرسوب يساوي خمسين بالمئة في المعدل المتوسط، لنعقد مقارنة بين هذا المثال وبين الإنسان المتدين الذي من المفترض أنه يؤمن بالله واليوم الآخر ويؤمن بأن العصاة والمذنبيين مأواهم الجحيم، والصالحين مصيرهم هو النعيم الأبدي، أليس من الطبيعي والمفترض أن مثل هؤلاء الناس سيشعرون بالقلق والخوف من احتمال أن يكون مصيرهم هو الجحيم، مادام هذا الاحتمال في المعدل المتوسط خمسين في المئة كما هو الحال بالنسبة لمثال الشخص الذي يجتاز اختبار رخصة السياقة، ومعلوم أن الحياة الدنيا برمتها بالنسبة للإنسان المتدين ليست سوى اختبار للإنسان، ومصير جميع الناس، إما الجحيم أو النعيم ولا يوجد احتمال ثالث. 

لكن واقع حال المتدينين يثبت أن أكبر هم بالنسبة لمعظم المتدينين هو الحياة الدنيا، حيث أن تفكيرهم كله منصب عليها، ولا يبالون بتاتا بالحياة الأخرى، وهذا الأمر لا يعني إلا شيئا واحدا، هو أن إيمانهم مزيف أو ضعيف جدا. 

هل يقبل العقل والمنطق السوي أن هؤلاء الناس الذين نراهم في الشوارع وفي كل الأماكن يلهثون وراء المال، ويحبون المال حبا جما،  ويقدسونه أكثر من أي شيء آخر بحيث يقومون بأي شيء لأجل أن يحصلوا عليه هم حقا يؤمنون بوجود حياة أخرى وبالتالي يؤمنون بوجود الله والجحيم وباقي أركان الإيمان؟ هل يقبل العقل أن من يرتكبون فضاعات وجرائم ضد إخوانهم في الإنسانية يعلمون علم اليقين أن مصيرهم سيكون الجحيم إذا ارتكبوها؟ لا أظن ذلك،  لأن من  من بين أهم النتائج الضرورية التي يجب أن تنجم عن الإيمان الحق أو التدين الحق، هو القلق من المصير الأخروي، وما القلق الذي يشعر به الإنسان المتدين تجاه مصيره الأخروي إلا تعبير صارخ عن صدق وقوة إيمانه، وهناك اعتراض على هذا الرأي الأخير الذي يقول أن أن الناس متيقينين من وجود العالم الأخروي رغم عدم اللامبالاتهم به، لأنهم يعتقدون أنه يمكن أن يتوبوا إلى الله في آخر أيام حياتهم وسيغفر الله لهم جميع ذنوبهم بحكم أنهم يؤمنون بأن الله رحيم ويمكن أن يغفر أي ذنب بشرط أن يكون الإنسان صادق في توبته، ولكن لازال السؤال يطرح نفسه علينا بقوة وأكثر حدة، هل الناس الذين نراهم يؤدون الطقوس الدينية في المساجد بكل انضباط وتفاني ويدعون أنهم مؤمنين ورغم ذلك يسرقون ويقتلون ويكذبون هم مؤمنون حقا أم ملحدون لم يعلنوا الحادهم، أم إيمانهم ضعيف جدا او يوجد فيه خلل؟




Share To: