الأديبة السورية / د.فاديةكنهوش تكتب مقالًا تحت عنوان "النساء الأفغانيات ، شاعرات المستحيل" 


الأديبة السورية / د.فاديةكنهوش تكتب مقالًا تحت عنوان "النساء الأفغانيات ، شاعرات المستحيل"


"الجبال الآن تفرق بيننا. فقط الطيور ستكون رسلنا ، بأغانيهم للبشائر ..."

إنها قصائد بشتونية تقريبًا مثل قصائد الهايكو.  جملتان شعريتان دون قافية تتغنى بالحب والجنس والحرية وتتحدث عن معاناة المرأة الأفغانية. Landay أو Landaï هي قصيدة تنتقل من فم إلى فم ، ومن أذن إلى أذن ، ومن هاتف محمول إلى هاتف محمول ، بين النساء. يكتبنها  ويتلونها. هناك قاعدة واحدة فقط:  القصيدة تتكون من بيت شعري واحد يتكون من 22 مقطعًا صوتيا ، 9 في الشطر الأول ، 13 في الشطر الثاني (للتذكير يتكون الهايكو الياباني من ٣جمل السطر الأول يحتوي ثلاث مقاطع صوتية اما الشطر الثاني خمس مقاطع والثالث من سبع مقاطع).
22 مقطعًا لفظيًا يمكن أن تقتل لأن طالبان ، من الواضح ، تمنع هذا الشعر لأنه يحكي عن الحزن والحب والتمرد ؛ وأكدت هذه الظاهرة الشعرية أن النساء الأفغانيات لسن أشباحا يرتدين البرقع الأزرق ولكن" في أكثر الأجساد حبسًا تكمن أكثر الأرواح حرية في أفغانستان".
في لغة الباشتو ، تعني كلمة landay "الأفعى الصغيرة السامة" ، في إشارة إلى قصرها ، وانسيابها ، وعضتها الساخرة. فيما يلي أربعة أمثلة من الواقع تقول كل غضب النساء الأفغانيات في 22 مقطعًا لفظيًا: " تثني الأخوات على إخوتهن عندما تجلسن معًا . وعندما يجلس الإخوة معًا ، يبيعون أخواتهم". "في كابول ،  يقاتل الأمريكيون طالبان. هناك ، خلف الجبال ، يقومون بتدريبهم."
"طالبان ، أنت تمنعني من الذهاب إلى المدرسة ، ولن أصبح طبيبة أبدًا. فكر في شيء واحد: يومًا ما ستمرض." ،"بعتني لرجل عجوز يا أبي.  دمر الله منزلك ، كنت ابنتك" .
قد تعمل Landaïs في تسلسل مستقل. ولكن يمكن ان تتفاعل حسب الموضوع والشكل مثل مونولوج شكسبيري طويل.
توجد Landaïs أيضًا في اللغات لأفغانية الأخرى ، الدارية ، الأفغانية الفارسية ، أو الفارسية الشرقية. يؤدي التباين في الشطر القصير / الشطر الطويل إلى الإيقاع  وتكون المهارة دائمًا في إنهاء القصيدة بأحد هذين الصوتين: نا أو ما.
كتابة الشعر والتلاوة والغناء هي سمة أساسية للوجود في عالم الثقافة الأفغانية ، سواء للرجل أو المرأة.
لا أحد يعرف من أين جاء ال"Landay".أوجدتها المرأة الأفغانية  منذ فجر التاريخ. النظرية الأكثر شيوعًا هي أن هذه القصائد الصغيرة القاتلة ظهرت في القوافل الهندية الآرية في آسيا الوسطى خلال العصر البرونزي. قبل أربعة آلاف سنة أي قبل البوذية بوقت طويل و قبل الإسلام بوقت أطول.
تذكرنا هذه "اللانداي" بال "Slokas" ، الآيات المكونة من سطرين و 16 مقطعًا لفظيا من الفيدا ، النصوص الهندوسية المقدسة. كما أنها تذكرنا بقصائد الحب" الغزل" بجملة واحدة باللغة الفارسية أو الأردية التي أثارت حماسة جوته وأراغون. في المجتمع البشتوني التقليدي ، كانت ال "landay  هي الواحة حيث تستقي النساء الماء ، حيث يولد الحب ، حيث تؤلف النساء أبيات تتحدث عن الحياة والرغبات. مثال  من هذه الأبيات المتداولة في أفغانستان اليوم:
"مثل الشمعة أحرقت نفسي طوال الليل مع حبيبي. مثل الشمع الناري ، ذبت وأغمي علي."
"الشمس تغرب خلف الوركين ، والقمر يشرق من فوق كتفك ، ويمر فوق رقبتك حتى شفتيك"
وبعضها  قد يكون إباحيا بشكل فج...!
اما في يومنا هذا، فتذكرنا هذه القصائد  بالخطر المميت الذي يهدد الحب والجنس والحرية والشعر في افغانستان:


"صباح الغد سأقتل بسببك. اما انت ، لا تقل أنك لم تحبني. امدد يدك حبيبي ودعنا نذهب إلى الحقول لنحب بعضنا البعض أو نقع تحت السكاكين معًا"

( طبعا الترجمة هنا لا تعيد الصياغة بشروط لغة الباشتو والمقاطع اللفظية ومقاسها، إنما هي ترجمة للمعنى فقط)

هذه المقاطع الـ 22 تنطق بالحقائق. في أرض طالبان ، الشعر الحر مثل الحب الحر: إنه يعرّض حياتك للخطر عندما تكون امرأة. إنه عمل مقاومة يمكن أن يؤدي إلى الموت الاجتماعي وأحيانًا الموت الحقيقي. اليوم ، تجتمع الشاعرات المتمردات، مع الكحل المظلل عيونهن، سرا في المطابخ والأقبية أو في جلسات الخياطة كواجهات مضللة. يتم تحديد مواعيد اللقاءات عن طريق الهاتف. بالنسبة للّواتي تخشين المخاطرة ، هناك خط هاتف يمكن للشاعرات أن ترسلن قصائدهن ، على صندوق بريد صوتي. تتم قراءة النصوص خلال الاجتماعات لأنهن في بلد حيث يعتبر طالبان (وقبلهم إخوانهم المجاهدون الأكبر سناً) النساء "ناقصات عقل" ، لا يمكنهن التحدث علناً.

والمرأة التي تتجرأ على غناء قصيدة في الأماكن العامة تُدعى عاهرة وتعاقب ... قبل أن تُترك أفغانستان للملتحين كانت لقاءات الشاعرات تعقد علنية ... في مراكز مثل ميرمان باهر (الاتجاه النسائي) في قندهار وشير دانشغاه في كابول ،جمعية الشعر بالجامعة ، بوزارة شؤون المرأة و على إذاعة آزادي (راديو ليبرتي) وقد اختفت اليوم. اليوم، العودة إلى السرية كما كانت في عهد طالبان الأول بين عامي 1996 و 2001 ، عندما كانت قصيدة ال landaï هي بالفعل الراية السرية لنضال النساء مع اختلاف كبير: ان الهاتف المحمول والرسائل والشبكات الاجتماعية باتت من ضرورات الحفاظ على الشعر وتداوله. الشعر وجد ليبقى لأنه المقاومة . ما يقدر بنحو 17 مليون أفغاني لديهم هواتف محمولة واتصال بالإنترنت. لذلك بالنسبة للعديد من النساء الأفغانيات الأميات ، يتم نقل تقليد الشعر الشفهي عبر الأثير. إليكم مختارات لما يتم تداوله على موجات الأثير ، إليكم زهور تمرد النساء ضد النظام الأبوي وضد طالبان وزواجهم القسري. إنهن لا تترددن في الصراخ بثورتهن وبأوجاعهن في وجه الله.

الموضوعات هي الحرب (بالباشتو: جانج) الانفصال (بيلتون) الوطن (الوطن) الحزن (الغم) والحب (مينا) و المنفى أيضًا. تتوجه القصائد أحيانا الى طالبان مباشرة بالدعاء عليهم"ليدمر الله طالبان وليضع حدا لحروبهم. هم يجعلون من النساء عاهرات لهم ثم اراملهم". وتقول إحدى النساء "طالبان، عيونكم ليست عيون .انما هي نحل. ولا أجد أي علاج للسعاتها." وقد يكون الانتحار الذي يبدو مستحيلا موضوعا للهروب من سلطة الزوج: "اقفز الى النهر. ترفض الامواج سحبي لترميني الى الضفة من جديد. هذا الوغد محظوظ". أو إنها ببساطة وفلسفة ساخرة مستسلمة تقول: "جسدي ملكي ولكنه تحت سيطرة الآخرين".

كما يتغنى هذا الشعر بالوطنية ويسخر من الغرب. حتى ان البعض لا يزال يردد اشعار الفترة السوفيتية ولكن مع جعلها ملائمة للفترة الأمريكية."هذه القصائد هي سيوف"، تقول شهيرة شريف مؤسسة دائرة (Mirman Baheer.): " لتنسحق طائرتك ايها الطيار، انت الذي تلقي القنابل على أفغانستاني الغالية". او "ولدي قتلته طائرة مسيّرة، ليدمر الله ابناءك امريكا، لقد قتلت اولادي" ويكمن جمال بعض القصائد في رمزيتها السوريالية فتكاد تكون عصية على الترجمة.


منذ اربعة آلاف سنة ولا نزال نسمع اصداء اصوات النساء الأفغانيات تتردد فوق قمم الجبال العالية وفي الأودية السحيقة لان هذه المقاطع الاثنين وعشرين لا تقول الا الحقيقة التي ستبقى بعد زوال طالبان...

" في يوم القيامة ، سأقولها بصوت عالٍ: "جئت إلى العالم بقلب مليء بالأمل" قالتها زارمينا ابنة الستة عشر عاما قبل وفاتها على اثر عراك مع اخويها اللذين فاجأاها تنشد قصيدة على الهاتف في عام ٢٠١٠. ولا تزال النساء الافغانيات تردد هده الكلمات لذكراها :"ذكراها وردة تزين عمامة الأدب. في وحدتها، كل امرأة افغانية تبكي أختها".

ترجمتي بتصرف(وتنسيقي) لأجزاء من مقال طويل للكاتب._Jean-Paul Mahoux حول نضال المرأة الأفغانية ووطنيتها للكاتب وقد ذكر مراجع قيمة وجميلةاضعها فيما يلي:


_Massoud Mirshahi, Le visage caché de la femme afghane

- Femmes poétesses d’Afghanistan anthologie _Fariba Adelkhah, Guerre et terre en Afghanistan in Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée 133 | June 2013, pp. 19-41

_Fariba Adelkhah, Guerre et (re)construction de l’État en Afghanistan : conflits de tradition ou conflits de développement ? International Development Policy | Revue internationale de politique de développement

_Tariq Ali Débâcle en Afghanistan Londres, New Left Review 16 AOÛT 2021 POLITIQUE

_Carol Mann, Femmes afghanes entre survie et résistance Éditions Kimé | « Tumultes » 2006/2 n° 27 | pages 135 à 158 Cairn.info pour Éditions Kimé. © Éditions Kimé. Tous droits réservés.

_Le visage caché de la femme afghane, femmes poétesses d’Afghanistan. Anthologie de poètes femmes afghanes, trad. C. Charpentier et A. Hashemi pour le persan, N. Manalaï pour le pashto, Paris, Khavaran, 2000, 111 p.

_LANDAYS General Inquiries | Poetry magazine | Media & Press | Harriet Monroe Poetry Institute | 61 West Superior Street, Chicago, IL 60654.

Rudyard Kipling, « The Young British Soldier, A Souvenir of the Anglo-Afghan wars », in Daniel Karlin (ed) : Rudyard Kipling, Oxford University Press, Oxford, 1999

_Eliza Griswold, “Je hurle mais tu ne réponds pas” THE NEW YORK TIMES - NEW YORK 07/09/2012 traduction courrier international

BBC culture The 22 syllables that can get you killed

_Jean-Paul Mahoux, Bruxelles-Kaboul, août 2021.




Share To: