الكاتبة والأديبة المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "أثر الدعاء" 


الكاتبة والأديبة المصرية / خلود أيمن تكتب مقالًا تحت عنوان "أثر الدعاء"


قد يكون الدعاء هو الملاذ الأمثل ، المخبأ الآمن ، الملجأ الوحيد والأكيد لكل البشر من أجل تحقيق الآمال ، الوصول للأهداف التي لن يُمكِّنك من المساس بها سوى قدرة الله على تحويل كل جهودك المُثمِرة التي بذلتها في المراحل السابقة لآمال عريضة ترسم البسمة على ثغرك بلا توقف ، فإنْ تعرضت لأي موقف عصيب أو مررت ببلاء ما فعليك اللجوء لتلك الوسيلة التي ستُنْقِذك من شتاتك ، حيرتك ، قلة حيلتك ، سيل أفكارك البائسة المُحبِطة المتخبطة التي لن تودي بك سوى لنهاية سوداوية مأسوية مؤسفة ، فالله يسمع النداء ، يلبي الرغبات ، يغيث المرء ويجيره في أوقاته الصعبة ، يُلْهِمه الحلول ويرشده لطريق الصواب الذي يجعل نفسه هادئة مستقرة دون السقوط في فجوة التخبط والتيه ومقت الذات والحياة بأسرها ، فالكل يعلم أننا لسنا في نعيم دائم ولكنها محطات قد يكون بعضها مشرقاً وبعضها الآخر حالكاً وعلينا التَقبُّل والرضوخ للأحداث دون محاولة الاعتراض المستمر على قضاء الله وقدره حتى تزول تلك النوازل والنكبات المؤقتة وتتحول إلى مسرات تسعد بها النفس وتستكين بعض الشيء بفضل الثقة وحُسن الظن بالله ، فللدعاء دور فعال في تخفيف حدة ووطأة الحدث الذي قد يصيب المرء بالصدمة في بادئ الأمر ولكنه بعد تفكير عميق متأنٍ سيجد أن عدم جزعه وصبره على البلاء قادر على جعل حياته أكثر استقراراً ، فلتستمر في الدعاء _أيها الإنسان _ وسوف تجد الاستجابة لكل ما طلبته في الوقت المناسب الذي لم يخطر لك ببال ولم تتوقعه ذات يوم فالله لا ينسى عباده إنما يُمْهِلهم ويختبرهم فقط ، فلا تكف عن تلك العادة مهما كانت الظروف حالكة غير مُبشِّرة في الوقت الراهن ولا توجد أي دلالات أو أمارات على تَغيُّرها ، فكل الأمور قابلة للتحول لما تمنيت ذات يوم وأخذ مسار مختلف تماماً عما كانت عليه مسبقاً ، فالله رحيم بنا لا يمنحنا سوى ما نحن قادرون على تَحمُّله مهما أوهمنا أنفسنا بغير ذلك فما علينا سوى التصرف بحكمة ووعي في تلك الأمور والمِحن التي نتعرض لها من حين لآخر دون اللجوء للتفكير المبالغ فيها أو في عواقبها ، فالله قادر على إزاحتها من طريقنا كما جلبها إلينا هو فقط يختبر قدرتنا على الصبر والصمود أمام المواقف المتباينة ، فمَنْ ينجح في مثل هذا الاختبار إنما يتحلى بروح شامخة قوية يرضى الله عنها ويمنحها أكثر مما تستحق ، فالله لا يمنع عنا سوى ما به ضرر لنا فلن يسمح بأن يمسك سوء أو يصيبك مكروه مهما كنت عاصياً ، فباب التوبة مفتوح فلا تتوقف عن الدعاء فهو بمثابة الحائل الذي يحجب بيننا وبين الذنوب وكأننا لم نقترفها بتاتاً فهي تُغْفَر بدعوة صادقة نصوحة خالصة لوجه الله مُعبِّرة عن ندم حقيقي يرغب صاحبه في الابتعاد عن طريق الآثام بلا عودة ، إصلاح حياته القادمة بحيث لا تسير على نفس الشاكلة التي كانت عليها في الماضي بلا اكتراث منه ، فذلك الدعاء برجاء وتمني وتوسل لله إنما ينبع عن رغبة في نيل الغفران والسماح على التقصير الذي كان عليه المرء في سالف عهده دون أنْ يلتفت أو يأخذ بعين الاعتبار بأن تلك الحياة قد تفنى بلحظة وهو على غير طاعة كاملة لله ولكنه قد اتعظ مؤخراً وحاول التوبة مراراً وتكراراً حتى تمكَّن من الدوام عليها فتغيرت حياته وسارت على الطريق السليم المستقيم الذي يُوصِّله للمصير الذي طالما تمناه ، فطريق التوبة يكون واضحاً يسيراً لمَنْ يرغب في حياة صالحة وأحلام مُحقَّقة بمجرد دعاء يتقرب به إلى الله سعياً لرضاه ومنحه تلك الحياة القويمة التي تقوده لصالح الأعمال التي تنفعه في دار الخلود فيرحل إليها بلا خوف من العاقبة التي تنتظره هناك ، فللدعاء أثر كبير في تغيير حياة الكثيرين حتى وإنْ لم يكونوا على العبادة الحَقَّة والطاعة الواجبة طيلة حياتهم ، فلقد سمح الله بالتوبة حتى يقبل ذاك الدعاء الذي يتضرعون له من أجله ويخشون عدم قبوله أو رده بفعل ذلك القصور الذي أصابهم في فترة ما ، فلا تتردد عنها وإنْ تراكم مجموع الذنوب التي اقترفتها حتى صارت كجبل شاهق فالله سوف يمحوها جميعاً ويقبل دعاءك ويحققه في القريب العاجل ما دمت على تواصل دائم معه ، فهو الغفور الرحيم الأدرى بنية عباده ، العالم بصدقهم وما تضمره صدورهم ...

Share To: