الكاتبة المصرية / آلاء العطفاوي تكتب "بشرى خلفان" تحكي  سيرة جوع وطن في طي النسيان


الكاتبة المصرية / آلاء العطفاوي تكتب "بشرى خلفان" تحكي  سيرة جوع وطن في طي النسيان

 


الحرب هي مأساة الشعوب، وأينما وجدت الحرب وجد معها إنسان مشرد جائع،  يتنازل عن قيمه من أجل أن ينجو بحياته من افتراس الجوع له

في رواية" دلشاد" والتي وصلت للقائمة القصيرة  للبوكر في دورتها لعام 2022 للكاتبة" بشرى خلفان"  تسرد لنا حكاية  بلاد وأقوام قلما سمعنا عنهم، عن عمان وأهلها حيث الجوع والفقر يصبح عادة و يصير المرء لا يفهم شعور الشبع . 

تحكي لنا تاريخ منسية أحداثه لنا بل ربما لم يعلم اغلبنا عنه شيء. 

عن  عبودية المرء والطبقية التي عان منها أفراد لم يذكرهم التاريخ لأن التاريخ لا يكتبه سوى المنتصرين. 

عن شعب عاش  تحت سطوة الاحتلال البريطاني وحكم فيصل بن تركي وخيانة شخوص قررت التعاون مع المحتل لتنجو بنفسها على حساب الآخرين.

في رواية دلشاد وعبر ثلاثة فصول ومن خلال الانتقال بين حواري عمان وفترة زمنية تشكلت فيها الدولة العمانية بعد الحرب العالمية الأولى وبداية ظهور النفط ترصد لنا الكاتبة حياة المهمشين وحكاياتهم مع الجوع وتأثيره في هدم أمانهم واستقرارهم النفسي وقيمهم الإنسانية في مقابل الطبقة الغنية والتي شكلت ربما 1% من أهل عمان. 


-تقنيات محورية ودورها في رصد حقبة تاريخية منسية



تقنية تعدد الأصوات من أهم تقنيات الحكي التي نجحت بشرى خلفان في استخدامها ، وللوهلة الأولى يعتقد القارئ 

 إنه سيبحر مع حكاية دلشاد وسيرة جوعه، 

لكن خلال فصول العمل سيكتشف أن الرواية تحكي عن أبطال آخرين. 

وبالرغم من إبراز صوت مريم ابنة دلشاد بشكل خاص، لكن كان لباقي الشخصيات حضورهم المميز والذي من خلاله تعرفنا على و جهات نظرهم وتعدد أفكارهم وحكاياتهم  وعادات الناس في مسقط وتراثها الإنساني والشعبي. 

وتكمن قوة الشخصيات في قدرة الكاتبة على رسمها ببراعة في طبقات اجتماعية وأزمنة وأمكنة مختلفة بواقعية شديدة؛ 

فنتعرف من خلالهم على تاريخ مسقط، والصعوبات التي واجهت الطبقات الغنية والفقيرة، والصراعات المختلفة، وكيف تعايشوا معاها وتغلبوا عليها، 

أثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية. 



-المكان ودوره في تخليد حكايات المنسيين

لن نبالغ لو اعتبرنا المكان في رواية دلشاد أهم الأبطال، بل كان المحور الأساسي في تحريك الأحداث، ووصف عالم مجهول قديم؛ فتتنقل بنا بين الحارات والأسواق والخيام وقصور الأغنياء في (( مسقط)) و((ولجات)) و((مطرح)) ثم" البحر" ورمزيته؛ الذي منح شكلا آخر للعمل فمن خلاله غرقت الشخصيات في ثنايا التيه والحب و انتقلت لعوالم أخرى بعيدة عن مسقط وحكاياتها 

فنجد دلشاد يهرب من ماضيه ويلجأ للبحر فيقذفه "لمومباي" 

ثم مريم التي يقذفها البحر لتيه آخر "مطرح"  

فكان لتوظيف المكان دور واضح في التعرف  على عوالم عديدة، وأناس وعادات مختلفة و أساطير  وحكايات وأغاني شعبية قديمة توارثتها الأجيال. 


-رمزية الجوع النفسي والحب الضائع


ربما كان لحكايات الحب ومصيرها الضائع رمزا مهم حاولت من خلاله الكاتبة إيصال معنى عن الحياة ، فنكتشف أن الجوع ليس جوع جسدي  فقط بل هناك نوع آخر اقسى  واشد وطأة على الإنسان، وهو الجوع النفسي المتمثل في الفقد و الفراق ،فنجد دلشاد يعاني من ألم الفقد لوالده الذي يجهل نسبه، ولا يعلم هل كان حيا أم ميتا، ثم زوجته التي أحبها، فكان للموت رأي آخر في مصيرهما؛ والقى بها للهلاك أثناء ولادة مريم . 

 ‏ ثم ابنته "مريم" التي أرسلها  لأحد قصور الأغنياء؛ خوفا عليها من الضياع والجوع الجسدي، ليجد نفسه في تيه نفسي وقلب مكلوم بعدما فارق ابنته الوحيدة. 

 ‏ثم" مريم" التي ظلت تتسائل وتلوم والدها؛ ظنا منها أنه تخلى عنها فصارت تعاني من جوع نفسي، وألم لفراقه، فلم ينجح الشبع والحياة الرغدة يوما في القصر أن يمحي جوعها النفسي. 

 ‏ثم فراقها لزوجها بعد أن مات فتنتهي قصة حب لم تبدأ بعد. 

 ‏وفردوس التي عاشت حياة رغدة هانئة، ولم تعرف الجوع الجسدي يوما ما، لكنها ظلت تعاني طيل حياتها من الجوع النفسي؛ إثر الوحدة وفقد حبيبها . 

 ‏وتختم الرواية بمصير قصة حب حفيدة دلشاد " مريم" التي تركتها مفتوحة واضعة القارئ أمام كثير من الاحتمالات والتي سنعلم عنها الكثير في الجزء الثاني من العمل والذي اخبرتنا عنه الكاتبة في نهاية سيرة الجوع 

 ‏وهو الذي سيكون بعنوان سيرة الشبع. 




هذه الرواية بمثابة انتصار لوطن وبشر ذهبوا في طي النسيان،

وطن قرر أن يجعل من الجوع عادة، ليقوى على الحياة 

 ‏في ظل حياة غير آدمية، ومحتل طامع قرر أن يمحي وجودهم من  خريطة العالم، ليعيشوا في منفى للأبد! 

 ‏

 ‏

 

Share To: