حديث الجمعة |القدوة الحسنة 63 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف
أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض السلوكيات السلبية التى تؤثر سلبا على الفرد والمجتمع وذكرت لك منها سلوك الكذب وهو سلوك مشين واليوم بإذن الله رب العالمين أحدثك عن سلبية مشينة أُخرى وهى السرقة وهذا السلوك أيضاً لا يقل خطورة وسوءًا عن صفة الكذب، فكما أسلفنا أن الذى يكذب يسهل عليه أن يسرق ويفعل كل محظور.
أسباب انتشار هذه الصفة:
١- عدم اتباع الحكمة في تلبية رغبات الأبناء: إن الطفل بطبيعة عقله يميل دائماً إلى ما في أيدي الآخرين سواء كانت حلوى أو لعباً أو غير ذلك، وسرعان ما يطلب الطفل من والديه كل ما يراه أو يرغب فيه. وهناك بعض الآباء يعتقدون أن الطفل الذي يلبى له كل ما يطلب يتعود العفة عما في أيدى الآخرين، وهناك فريق آخر يعتقد خلاف ذلك، وهو عدم تلبية رغبات الطفل، تجعله متعففاً عما في أيدي الآخرين، وتكون النتيجة في الحالة الأولى نشأة الطفل على الطمع، والإسراف، وحب الذات، والتطلع الدائم إلى ما في أيدي الناس وأخذه بأي وسيلة، لأنه تعود على نيل كل مطالبه، والنتيجة في الحالة الثانية نشأة الطفل على الحرمان من معظم احتياجاته سواء الأساسية أو غير ذلك، فيضطر إلى أخذ ما في أيدي زملائه سواء كانت أدوات مدرسية أو طعاماً أو لعباً؛ وبهذه الأسباب ينمو عند الطفل سلوك السرقة، والذي إن لم ندركه في الوقت المناسب كان صعباً علينا علاجه.
٢- عدم رقابة الأهل: كثيراً من الآباء والأمهات لا يراقبون أبناءهم ولا يحاسبونهم فيما يجدونه معهم من أشياء جديدة مثل بعض اللعب والنقود، من أين لهم ذلك، فأحيانا يدعي الولد أنه التقطها من الطريق أو أعطاها له أحد أصدقائه، فتصدقه الأم دون أن تتحقق من صدق قوله وخاصة إذا كان الولد كثيراً ما يكذب، وإن اكتشفت الأم السرقة كان أمراً عادياً وكأنه مزحة كاذبة فهي لا تعطى الأمر اهتماماً، بل لا تخبر الوالد بهذا الأمر خوفاً عليه من العقاب، وبهذا يتجرأ الولد على هذه العادة السيئة مرة بعد أخرى، فتنمو هذه العادة السيئة في دمه ويصير محترفاً، وحينها لا ينفع تغيير ولا ندم إلا أن يتوب الله عليه.
٣- رفقاء السوء: كثيراً ما يقوم الأبناء برفقة أصدقائهم باللعب بجانب حدائق الجيران المليئة بالفواكه في غياب صاحب الحديقة، فيلتقطون بعض الفاكهة خفية، وهذا الشيء البسيط مع تكراره يولد في الأبناء حب أخذ متاع الآخرين بغير إذنهم، وللأسف الشديد أحياناً يجد الأبناء تشجيعاً من آبائهم على ذلك، فحينما يعود الولد من الخارج وفي يده فاكهة من حديقة الجيران، فعوضاً عن توبيخ الولد وأمره برد الفاكهة، نجد الأم تشاركه في أكلها وكأن شيئاً لم يحدث. ولا شك أن الولد حينما يرى من حوله من أصدقاء وأهل لا يعيرون لهذا الأمر اهتماماً بل يرى مشاركة وتشجيعاً، يتمادى في ذلك، والشيء البسيط يكبر مع الأيام وتصير حرفة نعوذ بالله منها.
وعلاجاً لهذا السلوك يجب اتباع ما يلي:
١- الاعتدال في تلبية رغبات الطفل: يجب علينا أن نوفر ما يحتاج إليه أبناؤنا بالقدر المعقول الذي يجعلهم لا يتطلعون إلى الآخرين بحرمان أو بأنانية وتحكم، وإذا طلب الطفل شيئاً مثل أصدقائه نفهمه أنه لا يليق أن نطلب كل ما نرى في أيدي الآخرين، وأن هذه صفة ذميمة، ثم بعد فترة نحضرها له بغير إشعاره أننا لبينا رغبته، وهذا لكي نشبع رغبة الطفل ولا نشعره بالحرمان، وليكن ذلك أيضاً بالقدر المعقول وحسب إمكانيات الوالدين.
٢- امتثال القدوة الصالحة: يجب دائماً على الوالدين تحري الحلال والحرام في المأكل والمشرب ورد الأمانات إلى أهلها. ومثالاً على ذلك إذا اكتشفنا بعد شرائنا لبعض المتطلبات أن الحساب زاد لصالحنا، فوراً نرده إلى البائع مع إظهار أهمية هذه الأمر لحرمته... وهكذا ينشأ أبناؤنا على صفة الأمانة التي هي من صفات الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
٣- المراقبة الدائمة والتوجيه السليم: دائماً يجب علينا مراقبة أبنائنا في كل تصرفاتهم وفيما معهم، ونسألهم عن كل جديد في أيديهم وندقق المسألة وإذا ما اكتشفنا فعلاً قبيحاً أعظمنا هذا الفعل وبينا عاقبته في الدنيا والآخرة، وأمرناهم بإعادة الحقوق إلى أصحابها،كما يجب علينا تعويد الطفل على الاستئذان في كل ما يرغب أخذه سواء كان من البيت أو خارجه، هذا مع تحفيزهم على أمر الأمانة عن طريق القصص الصالح للسلف، كقصة الراعي الذي رفض بيع الشاة لعمر خوفاً من الله - عز وجل - رغم غياب صاحب الغنم، والفتاة التي رفضت سماع نصيحة أمها وغش اللبن بالماء خوفاً من الله - عز وجل -. والقصص في هذا المجال كثير.
٤- اجتناب خروج الأولاد في الشارع واختلاطهم بالصحبة السيئة: فاللعب الكثير خارج البيت يؤدي إلى سوء الأخلاق والاجتماع برفقاء السوء والانشغال عن العبادة والدراسة، فحرصاً على تحلى أبنائنا بالأخلاق الحسنة يجب علينا أن نجنبهم الخروج الكثير واللعب.
ولا يفوتنى أن أنبه مشدداً على سرقة الأبحاث والرسائل العلمية وأن بعض الباحثين سرقوا جهود غيرهم لينالوا بها حظا من الحياة الدنيا
ألا فليتق الله كل سارق وليعلم أنه لص وأنه عن تعاليم الدين مبتعد ومارق
نفعنى الله وإياكم بما نقول وغفر لنا ولكم كل ظاهر ومستور بجاه سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم .
Post A Comment: