الأديب المصري / إبراهيم الديب يكتب : "السير باتجاه الغروب "
أصبح بطئ الخطى وئيد الحركة ،تأكد من ذلك وهو ينزل درج السلم الذي كان يطويه في الماضي؛ تحت قدميه صعودا وهبوطا برشاقة متناهيه ، خطواته أيضاً أثناء السير أصبحت كسولة ترجمة و تعبير عن نفسه العازفة ؛ عن المشاركة في أمور كانت تدعوه أقل منها أهمية وأتفه للاندماج وتأخذ بتلابيب نفسه منغمسا بداخلها يعب منها عب الظمآن حتي الثمالة . لم تعد تداعب نفسه :الأماني و الأحلام ، شعور بعدم التفرقة بصورة جيدة بين ما هو جيد و ما تسر به نفسه، وبين ما يحزنها من الأمور ،كل شيء كما يقولون قبض الريح وحصاد الهشيم.
تساءل ما كل هذه العتمة الداخلية وهذا الانطفاء الذي زحف محتل مساحات شاسعة من نفسه التي بدت كصحراء قاحلة مترامية الأطراف خالية من جيوش تقاوم هذا الزحف القاتم؟ فقد استسلمت حصونها دون مقاومة ... أين جيوش مقتبل العمر ودفاعاته ، وصخبه وضجيجه ما هذا الذي يحدث الآن و ما الذي تغير ؟؟هل هو من تبدل ،أم قوانين العمر والحياة هي التي تفرض عليه مالم يكن في حسبانه أو أنه لم يتوقع أن يكون بهذه السرعة المباغتة فلم يستعد لكل ذلك بما يكفي فأخذه فأخذه العمر على غرة وفرت من يديه الأيام بعد أن اطمئن لصداقتها ؟أين كان يسكن ويختفي كل هذا الهدوء والسكون واللامبالاة والعزوف الحياة الذي يسيطر عليه الآن ؟من أين أتي كل ذلك الانطفاء، الذي يسلب الإرادة، ويحيد المشاعر، ويسعى سعيا حثيثا متواصلاً بلا كلل أو ملل أن أن تكون له اليد الطولي والسيطرة علي ما تبقي منه ؟ .
.يشعر بأن الثلج يزحزح الحرارة و أن الخمول أصبح بديل الانطلاق ؟؟هل هو العمر المتقدم نوعا ما.؟هل هو الوعي بحقيقة الدنيا وأنها لا محالة فانية ولابد من الرحيل عنها......الغمام يحاصر قرص الشمس ساترانورها حينا كاشف عنه أحيانا أخرى مرسلة ضوئها الذي يغمر الكون الفسيح..... ثم يعاود السحاب بين الحين والآخر، وهو في رحلة مصيره ومسيره الأبدي مرة أخرى ؛خنق وحجب ما تبقى من ضوء شمس يوم مضيقا عليه حتى لا يتمكن من الخروج إلا بصعوبة ،في محاولة من السحاب لستر النور بالخلف ليزيد من غموض الصورة وقتامتها، فيغضب اليوم العجوز منه فيقوم بلملمة؛ ما تبقى منه حتى بدا في صفحة الكون؛ شبه مطرود، على غير رغبة منه، فقد انتهى أجله ليحل ليوم جديداً بديلاً عنه في الغد.
فغض الطرف عن لوحة الكون التي بدت قابضة لنفسه وروحه.. أخرجه من كل ذلك ضجيج مجموعة من الشباب صغار السن التي لا تنقصهم الرشاقة والانطلاق ،وكل منهم يحاول أن :يقص أحلامه وآماله على الآخرين,و ما يشتهي أن يناله ويتمنى أن يحققه في الغد وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح وكأنه سيعيش ابد الدهر كل منهم يحكي بشغاف قلبه يقص من أعماق نفسه أغوار روحه؛ ما أن سيكونه ويتظره في المستقبل ... وهم منطلقون بخفة ليست أجمل من رشاقة ولا من سلاسة ووضوح أفكارهم و سعادة نفوسهم وهم يتبادلونا، وكأن الأرض تضيق بأحلامهم ،وكأن العمر أقصر من أمانيهم ..كانوا متجهين شرق المدينة ،أما هو فكان يواصل المسير في اتجاه الغروب...
Post A Comment: