الأديبة المصرية / أ. فاتن فاروق عبد المنعم تكتب :العلم والدين 

(٣)


الأديبة المصرية / أ. فاتن فاروق عبد المنعم تكتب :العلم والدين


العلاقة بين العلم والدين:

العلم دون الدين الذي يؤطر الحلال والحرام يتحول إلى سلاح بيد الإنسان يطعن به نفسه، ولكنه بالدين يتحول إلى سلاح في يد الإنسان يذود به عن نفسه الأذى، ويكفي لذلك مثال بسيط:


في ثمانينيات القرم الماضي قرأت كتابا عن «العالم السفلي للعلماء» وهذا هو توصيفي أنا، أما لماذا أسميه العالم السفلى لأنه دون الانحطاط بمراحل،


في هذا الكتاب  تحدث الكاتب عن أن شركات الأدوية هي التي تقوم بتخليق الفيروسات والبكتريا المسببة للأمراض وتصنع لها الأدوية المضادة كي تبيع وتكسب المليارات،


هذا فضلا عن كونها حروبا بيلوجية، وفي نفس الكتاب تحدث الكاتب عن معامل تقوم باستنساخ الإنسان لتأخذ منه أعضاء وتقوم باستخلاص الكولاجين من الأطفال وتبيعه بأرقام باهظة وبالطبع هذه الأطفال تموت،


فالجريمة ترتكب مرتين، مرة لأنه حرم التواجد داخل أسرة طبيعية،


ومرة لأن جسمه مستخدم في مراحل مختلفة، في سن الطفولة أو الشباب


وهو الذي لا يبلغ مرحلة الشيخوخة لأنه ليس إلا «قطع غيار بشرية» وعذرا لا أتذكر اسم الكتاب لكن لم أنسى المحتوى لبشاعته.


أما العلم في سياقه الطبيعي

فهو يثبت ويؤكد كل ما جاء به الدين المنزل بوحي إلهي لرسله،


بالتالي العلم والدين في ترادف وتماهي لا ينتهي، والعلم الذي ينشأ في حياض الدين يفيض بالخير على الجميع،


أما العلم الحالي الذي يخرج من حياض مملكة السامري (المسيخ الدجال)


فهو لا يقود الإنسانية إلا إلى الدمار المحقق والذي بكل أسف سيهلك الكثير من البشر فرادى وزرافات (كي يبلغوا المليار الذهبية)، إنه العلم دون الدين.


التجريب:

أول موطيء قدم للعرب على الطريق الصحيح، الاستعمال التطبيقي للمعرفة،


بل وأثرتهم كما قال فليب حتى، وتزيد عليه زيغريد هونكة بالقول ليس العرب سعاة بريد أو وسطاء للتراث اليوناني بل طوروا ما قد تجمد وكاد أن يضيع وفي هذا الشأن تقول:


«كلنا ورثاء، ورثة، ووسطاء واليونان كذلك، وهم أنفسهم يقرون بذلك، وهم في الأساس ذهبوا إلى المدارس الشرقية وتعلموا منها أشياء،


وهم ليسوا كما يسود الاعتقاد بدء الفكر ومنطلق المعرفة، إن كلا من فيثاغورث وتالس وديموكريت، وأيوديمكسوس،


مدينون بمعرفتهم الفلكية والرياضية إلى المصريين والبابليين والأشوريين والفينيقيين»


والحق أن هذا هو الأقرب للمنطق وهذا أيضا ما يقوله الأسوياء، فالحضارة التي تكتفي بنفسها ولا تنفتح على الآخرين تضمر وتموت،


والتلاقح المعرفي وتبادل الخبرات هو الأصل بين جموع البشر


والذي يثري المشروع الابتكاري لمجمل العمل الإنساني ويعمم الفائدة،


وإنكار جهد فصيل ما من البشر أيا كانوا يعد جحود يضر الناكر ولا يضر المنكور فعله بل يعززه لأن الحق أبلج.


الحضارة الإسلامية….التحام العلم والدين:

قاد المسلمون سفينة الحضارة التي فاضت على العالم بالخير العميم،


تلك الحضارة اشترك في تأسيسها المصريون والآشوريون والبابليون والهنود والفرس والقوط، ولكنهم كانوا كالعقد المنظوم في تناسق يجمعهم الإسلام،


هؤلاء وإن اختلفت ثقافاتهم فثوابت الدين (القرآن والسنة) واللغة العربية التي يجيدونها (ونتنكر لها الآن جبرا وقهرا وهزيمة نفسية)


تجمعهم وتحثهم على ديمومة البحث والتقصي للاهتداء إلى المتون واكتشاف المخبأ في كل شيء كي يقفوا على نواصي كل مستغلق،


أما الالتفات حول صخرة الدين واللغة العربية أدى إلى صلابة الهوية


التي خلقت التناغم والهرمونية بين داخلهم وما يستحدثون من حقائق علمية،


فلا تعارض ولا اختلاف مما زادهم ثقة بأنفسهم على مدى ثمانية قرون.


تقول هونكة:

«لم يعمل العرب على إنقاذ تراث اليونان من الضياع والنسيان فقط،


وهو الفضل الوحيد الذي جرت العادة على الاعتراف به لهم حتى الآن،


ولم يقوموا بمجرد استعراضه وتنظيمه، وتزويده بالمعارف الخاصة، ومن ثم إيصاله إلى أوروبا،


بحيث أن عددا من الكتب التعليمية العربية حتى القرنين 16، 17،


قدمت للجامعات أفضل مادة دراسية،


وقد أصبحوا وهذا أمر قلما خطر على بال الأوروبيين المؤسسين للفيزياء والكيمياء التطبيقية، الجبر، والحساب بالمفهوم المعاصر،


وعلم المثلثات الكروي، علم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، وعلم الاجتماع (الأنثروبيلوجيا)، وعلم الكلام (اللسانيات)


وإلى جانب الابتكارات والاكتشافات الفردية التي لا حصر لها في سائر العلوم التجريبية


التي إما أنكرها أو نسبها الكتاب الأوروبيون إلى الغير، فقد وضعوا في يد العالم الأداة المتكاملة الجاهزة ألا وهي النظام العددي الحسابي،


ومناهجهم العلمية الطبيعية في مجال البحث التجريبي، الذي من العسير تقييم دوره الفعال في التطور العلمي الأوروبي».


وطبقا لما قالت فإن كتب العرب كانت المتن والمرجع الذي يتعلم منه طالب الجامعة في أوروبا،


وكما قال الرائع جمال حمدان إن كان الأوروبي أستاذنا اليوم فقد كنا أستاذه بالأمس.


وبعد مرور مائتي سنة فقط أرسل محمد علي نخبته (أحفاد الذين علموا أوروبا) لتتعلم في فرنسا فعادوا مصابين بالصدمة الحضارية،


ولما لا وهم الذين غرقوا في دياجير الجهل المطبق،


وتوقف سيلان البحث العلمي الدءوب على خطى الأجداد والذي يحفظ ديمومة التطور في بلادنا،


لتظل نخبة التغريب تسلم الراية جيلا بعد جيل، تدعو وإلى اليوم بالسير على هدي الأوربيين دون انتقاء أو تمحيص أو انتخاب لما يناسبنا (كما قال طه حسين في كتاب الثقافة الجديدة)


وكأننا أمة لقيطة لا أصل لها أو نبت شيطاني مجهول الهوية، هؤلاء هم بوق المحتل، والبوق الأكثر نفيرا،


يصرخون بلا خجل في كتاباتهم وتصريحاتهم أن الإسلام هو سبب تأخرنا بينما الإسلام نفسه كان المتكأ ونقطة الانطلاق التي بها بلغ الأولون الثريا،


ولا يألون جهدا بالتعريض أو التصريح بضرورة استبعاده من حياتنا ونقضه جملة وتفصيلا أو على أحسن تقدير ينحصر في جملة من الطقوس الدينية التي تنمحي تدريجيا.


 فلما استجبنا لدعوات التغريب فقدنا الريادة التي كانت من قبل ليكون درسا قاسيا لنا،


الإيمان مناطه التكليف،

ذلك الميثاق الغليظ الذي استبعدنا منهجه (الخريطة الإلهية التي تهدينا سبل الرشاد) فكان الجزاء من جنس العمل،


الله لا يحابي أحد فمن يقترب يقرب ومن يحيد يستبعد، رد الله كيدهم في نحرهم هم ومن يواليهم وهدانا الله سبل رشاده.


تقول زيغريد هونكة بعد استعراض جملة من علماء المسلمين وفي القلب منهم الحسن بن الهيثم:


«إن تأثير هؤلاء العمالقة العرب على الغرب هائل، لقد طغت نظرياته (الحسن بن الهيثم) الفيزيائية البصرية على العلوم الأوروبية حتى العصر الحديث،


وعلى العلوم البصرية لابن الهيثم قامت كل بصريات الإنجليزي روجر بيكون حتى بولونيا (فيتليو) والإيطالي (ليونارد دافنشي)


وحتى يومنا هذا لازالت المسألة الفيزيائية الحسابية المعقدة، التي حلها ابن الهيثم بمعادلته من الدرجة الرابعة، والتي تفشي مقدرته الكبرى في الجبر»


أما اللوغاريتمات والجبر والتفاضل والتكامل، وعلم المثلثات (الجيب والظل والجتا) فهي علوم عربية بحتة.


 وبذلك يعتبر الخوارزمي هو المؤسس الأصلي لعلوم الحاسبات، لغة الكمبيوتر القائمة على 0  و1.


حتى إذا أتم المستشرقون مشروعهم خرجوا علينا بخطاب استعلائي بغيض يبرز بعضا مما علق بصدورهم،


فهم مهما بلغوا من العلم والذي يخصب حامله تأبت عليهم نفوسهم إلا أن تفصح عن ما تربوا عليه في مرابعهم،


من أننا معقدون ونحسدهم على ما هم فيه من تقدم وريادة،


تلك الريادة التي بها يقودون العالم إلى الدمار المحقق وذلك باعترافهم هم أنفسهم


وللحديث بقية إن شاء الله




Share To: