الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان : ثقل الزمن .
نهضت من السرير منهكا ، وإنهاكي يتضاعف كل صباح ، حينما أرى أني سأعيش يوما آخر ، مثل الأيام الأخرى ، لا شيء فيها سوى البؤس والملل . ملأت سطل كبير بالماء ، وغسلت به وجهي ، ثم جسدي كله ، لعل شيء ما ، سيحدث مفاجئا ، ويغير حالي إلى الأحسن . غسلت جسدي ، ولم يتغير شيء . حينما غيرت الملابس ، وحدقت في المرآة ، أصابتني حيرة ، وجهي لم يتغير ، ولم تكسوه التجاعيد فقط ، بل بدا لي تغير كله ، وأصبحت بوجه آخر ، لم أعهدني به من قبل .
حدقت في عقارب الساعة ، بدت لي تتحرك ببطء ، وحينما تناولت الفطور ، وحدقت مرة أخرى في الساعة ، بدت لي لا تتحرك نهائيا . قلت لنفسي :
-ما هذا الزمن الذي أعيشه ؟
لا جديد يحدث في حياتي ، ولا أملك أهدافا أشتغل عليها ، وأنتظر تحقيقها . زمني غريب . كل الناس يعيشون زمانهم ، يتقبلون واقعهم ، رغم بؤسه ، ويعيشون الحياة ، ويقومون بدورهم . أنا لا أعرف جدوى قدومي للحياة . بحثت كثيرا عن شيء ما يجعلني أعيش الحياة ، كما يعيشها الآخرين . لكن لل شيء أطيقه . فشلت في إيجاد شيء ما يجعل حياتي هادئة وجميلة ، ولها أيضا معنى .
خرجت من المنزل حزينا ، وحينما إلتقيت صديقي جالسا على قارعة الطريق تضاعف حزني ، وجدته يسب العالم ، ونفسه ويبكي . قلت له سائلا :
-ما بك ؟
أجابني قائلا :
-الزمن يجري وأنا لم أحقق شيئا في الحياة .
ساعدته لينهض ، نهض ، ونفض عنه الغبار ومضينا . وصلنا للمقهى ، التعب باد عليه ، وجهه يكسوه الحزن ، وعيناه ذابلتان . سألته :
-في أي طاولة سنجلس ؟
رد علي بغضب :
-لن أجلس ، لا أريد أن أضيع وقتا آخر ، أنا سأذهب لأبحث عن شيء ما يجعلني أحب زمني .
تركني ، ومضى وحيدا ، وبقيت وحدي أمام المقهى ضائعا . غاب عني ، وغاب عن ذهني كل شيء . وقفت متجمدا كعمود الإنارة . شيء ما يمنعني لأتحرك . دخولي للمقهى ، أراه سيئا ، وذهابي لمكان مجهول أكثر سوءا . حدقت في الجالسين بالمقهى ، بدا لي كل له عالمه الخاص ، ما عدا أنا . لا عالم لي . أنا ممزق ، وعالمي مشتت ، وكل عالم أبنيه ، ينهار في مدة وجيزة .
أقنعتني لأدخل المقهى لأجلس ودخلت . جلست في الزاوية . طلبت قهوة سوداء ، النادل لم يقدم لي ما طلبت . ربما هو علم أن الزمن ثقيل علي ، وأراد أن يضيف لي ثقله . لا أقدر على أن أنتظر . القهوة لم تعد مشروبا عاديا بالنسبة لي ، حينما أشربها ، أحيى من جديد ، وذهني ينتعش . وحينما يمضي علي نهار لا أشربها ، أحس بضيق لا يوصف . أشرت للنادل مرة أخرى ، كي يتذكرني . حرك رأسه ، متظاهرا أنه سيأتيني في القريب بالقهوة التي طلبت . مضى ليوزع القهوة الشاي على الجالسين ، وأنا لم أمض إلى شيء . عادات يومية مملة ، أيامي تشابهت كلها ، وصرت أعيد ما عشته في السنة التي مضت . عام كامل وأنا على ما هو عليه . لا أعرف كيف صمدت ، ولم يحدث خلل في عقلي ، ولم أجن .
لم يأتني النادل بالقهوة . نهضت غاضبا . حينما وصلت للباي الخارجي ، مسكني من يدي ، وقال لي ضاحكا :
-إسمح لي ، لم أقصد أن أغضبك ، البشر ملأ المقهى اليوم . إجلس وسآتيك بقهوتك .
لم أنظر إليه كثيرا ، أعرف أن ما قاله صحيحا ، وجسده الهزيل الذي يبدو عليه التعب يقول كل شيء . حينما أنظر لخادم ، لا يجني سوى التعب ، أمرض كثيرا ، وأكره وطني أكثر . قبل أن أمضي ، قلت له :
-لا تعتذر عما فعلت . أنا سأذهب لعل ثقل الزمن سيزول عني .
Post A Comment: