الكاتب الصحافي السوداني : أحمد سليمان أبكر يكتب مقالًا تحت عنوان "علم دراسات السلام والنزاع" 

***


الكاتب الصحافي السوداني : أحمد سليمان أبكر يكتب مقالًا تحت عنوان "علم دراسات السلام والنزاع"



شهدت البشرية خلال القرن  الماضي مجموعة من الحوادث المأساوية التي تركت أثرًا كبيرًا على حياة ملايين من البشر على هذا الكوكب، ولا شك أن الحربين العالميتين الأولى والثانية كانتا أبرز هذه الحوادث وأهمها على الإطلاق ليس فقط من ناحية النتائج الكارثية التي خلفتاها على كثير من الأمم والشعوب ولكن أيضًا من ناحية التأثير على طبيعة النظام الدولي  الجديد الذي بدأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام1945م،وكان من أهم إرهصاته بروز الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي كأبرز قوتين على الساحة الدولية،وقد رافق ظهور هذين القطبين بروز مجموعة من المشاريع والأبحاث التي تُعنى بدراسة أسباب الحرب والصراع والعمل على حلها،وتلافي حدوثها مستقبلًا كتأسيس الأمم المتحدة عام 1945م التي أصبحت تعد واحدة من أهم المشاريع الدولية في القرن العشرين لبناء السلام العادل بين جميع الشعوب والأمم في العالم،ومما يجدر ذكره هنا بأن دراسات السلام والنزاع كانت مرتبطة في مجالات أكاديمية أخرى مثل العلوم السياسية أو العلاقات الدولية.

خلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي السابق تنامى الإهتمام بدراسات السلام والنزاع نتيجة ظهور وانتشار حركات الاستقلال الوطني والتحرر من العنصرية وإزدياد الحركات المطالبة بحقوق العمال والنساء والأقليات في عقود الخمسينيات والستينات من القرن المنصرم فضلًا عن بروز أشكال عديدة من المعاناة الإنسانية كالعنف والفقر والإضطهاد،وقد استدعى هذا الإهتمام ضرورة تأسيس علم مستقل يُعنى بفهم أسباب ودوافع هذه الظواهر وآلياتها مع كيفية تسوية أو حل المنازعات المتصلة بها.

مفهوم النزاع والسلام: النزاع هو تصارع فعلي بين طرفين أو أكثر يتصور كل منهم عدم توافق أهدافه مع الآخر أو عدم كفاية الموارد لكلاهم وتعويق تحقيق أهداف كل منهما،وأن تطلعات كل طرف لا يمكن تحقيقها تزامنيا مع الطرف الآخر.أما مفهوم السلام: فهو حالة أو فترة ليس فيها حرب أو انتهت فيها حرب، مع غياب العنف والشر وحلول العدالة والخير للفرد والمجتمع،وهو مبدأ وصفة أخلاقية تقوم على الاستقرار الداخلي وطمأنينة الروح. 

مبادئ علم دراسة السلام والنزاع:يمكن القول بأن مجال دراسة السلام والنزاع يقوم على المبادئ التالية:

مبدأ التعدد المنهـــجي:يتــميز مجال السلام والنزاع بأنه ليس مقيدًا 

بمنهج أكاديمي محدد,ولكنه يعتمد بشكل مبدئي على تفهم ظواهر النزاع والسلام من عدة زوايا،لذلك فإن دراسة أسباب النزاع بين أطراف نظريات عرقية أو دينية على سبيل المثال تحتوي على نظريات اجتماعية واقتصادية بقدر احتوائها على نظريات نفسية ومؤخرًا مستمدة من علوم الثقافة والاتصالات.

مبدأ تمكين ودعم المستضعفين:من الطبيعي أن دراسة السلام والنزاع تتناول وسائل متعلقة بالظلم الواقع على مجموعات وأفراد وذلك لأن أحد العناصر العامة في دراسة السلام والنزاع هي القوة وكيفية استخدامها،ويؤدي تباين القوة بين الأفراد والجماعات سواء بسبب القوة الجسمانية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العسكرية إلى إيقاع الظلم بأفراد أو جماعات،وعندما يستمر هذا التباين في القوة وإيقاع الظلم لفترات طويلة فإنه يؤدي إلى تطبيعهم كواقع اجتماعي،وبما أمن مجال السلام والنزاع يهدف إلى فهم أساليب سلمية لحل النزاع، فان أحد معطيات هذا المجال هي احترام الآخر،وهو ما يتطلب بذل جهد لتفهم ومراعاة شعوره في كل وسائل التعامل والاتصال.

مبدأ توظيف وسائل تعاونية لحل النزاعات:رغم إدراك مجال السلام والنزاع لأهمية الدور القانوني والقضائي والإداري في تسوية وحل النزاعات فإن الاهتمام هنا هو ببحث وتطبيق أساليب تعتمد على تعاون أطراف النزاع في حل نزاعاتهم بشكل مُرض لكل الأطراف وبدون اللجوء إلى العنف،بالطبع فإن هناك نزاعات لا مناص من حلها دون اللجوء إلى قاض أو مُحكم،ولكن هناك نزاعات عديدة على كل المستويات يمكن  حلها بأساليب تعاونية مثل التفاوض والوساطة ويمكن القول بأنه بينما يهتم مجال دراسات القانون الدولي والحقوق بأساليب حل النزاع المعتمدة على النص القانوني وتدخل القضاء؛فإن مجال السلام والنزاعات يهتم بأساليب فض النزاعات وتسويته بمعرفة الأطراف والوسطاء.

مبدأ الإدراك والكياسة الثقافية:أحد التطورات الإيجابية في مجال السلام والنزاع اكتساب جرعات من الكياسة الثقافية التي تعتمد على مناهج النسبية الثقافية والتعددية لفهم ظواهر النزاع والسلام في مجتمعات عدة مما أدى إلى بلورة نظريات وإطارات منهجية أكثر استجابة لاختلاف الثقافات.

مبدأ دراسة كافة أنواع النزاع: ربما يعتقد البعض أن دراسة السلام والنزاع تختص فقط بالنزاعات الدولية أو ذات الطابع القومي والعرقي،وفي الواقع فإن تلك الأنواع من النزاعات تمثل فقط جزءًا مما تعني به دراسة السلام والنزاع،فبالإضافة إلى ذلك تُعنى دراسة السلام والنزاع بالنزاعات بين الأفراد وفي الأسر والمجتمعات الصغيرة وأماكن العمل،ولذلك فإن دارسي السلام والنزاع يمكنهم التخصص في عدة مستويات من النزاع وأن يركزوا اهتمامهم على أحد أو بعض هذه المستويات.وهنالك  تقارب بين  أسباب النزاع وآليات تصعيده وسبل السلام بين كافة أنواعه ومستوياته، فما يحدث في نزاع أسري يشابه في آلياته ما يحدث في نزاع دولي.

مبدأ استخدام أساليب تعليم تفاعلية وتعاونية: اعتمد  علم دراسات السلام والنزاع منذ بدايته وإلى درجة كبيرة على توظيف أساليب تعليمية تهدف إلى الإستفادة ليس فقط من معرفة  وخبرات المدرس ولكن أيضًا من معرفة وخبرات الدارسين،وأحد أهم معطيات هذا العلم هي أن كل فرد مهما كان وضعه أو ظروفه ً يعتبر خبير ًا في  شؤون السلام والنزاع.

ختامًا هناك العديد من الأهداف التي يسعى مجال دراسة السلام والنزاع إلى تحقيقها ومن أهم هذه الأهداف:تحليل الأسباب والدوافع الكامنة خلف حالات العنف والنزاع للوصول إلى فهم عميق يساعد في تحديد الأليات الممكن استخدامها في الوقاية من هذه الأسباب مستقبلًا_فهم العوامل التي تؤدي إلى تصعيد العنف والنزاع وزيادة حدته ومن ثم إنتقاله من مستوى العنف .. الكامن إلى العنف الظاهر _تحديد العناصر التي يمكن أن تساهم في تخفيف حدة العنف أو تهدئته تمهيدًا لإيجاد القنوات المناسبة لإقافه نهائيًا والعمل  على تلافي حدوثه مستقبلًا_فهم أساليب حل النزاعات خاصة السلمية منها والتي لا تلجأ إلى العنف.

***





Share To: