الكاتب الصحافي / خالد جهاد يكتب : أسامة سعيد.. لغة جريئة تشبه الأرواح..
الفنان/ أسامه سعيد |
للوحة فلسفتها، دهاليزها، شيفراتها ومنطقها الخاص، تحكي لغة صاحبها وكأنها منفذ إلى قلبه، فتهتز ملامحها المتشبعة بالإنفعالات مطلقةً صافرة إنذار تسبق موجةً من الأحاسيس الهادرة المتدفقة كحممٍ بركانية عبر وجوهٍ وحالات تجمع بين القوة والرقة والوداعة والتوحش، لتعلن عن ما يختلج في صدرها من انكساراتٍ وغضب وغليان وصخب لا ينفصل عن قلبٍ يحمل الكثير من اللين والعذوبة التي تتداخل معاً لتصنع شخصية فنانٍ متميز ومبدع لديه الكثير من الأفكار ليقدمها عازفاً على وتر التناقضات بين الماضي والحاضر، ماراً بمختلف المشاعر الإنسانية ليقدم شتى النماذج التي تجتمع معاً في لوحاته.. لوحات الفنان الفلسطيني أسامة سعيد..
نلمح عبر لوحاته حضوراً متميزاً للمرأة، إذ نراها في العديد منها بطلاً محورياً تدور الأحداث حولها وحول تقلباتها العاطفية وعلاقتها بنفسها، بقلبها، بجسدها ونظرتها إلى وجودها ككيان يصاب بالحيرة أحياناً عند محاولة فهم انفعالاته، فهي ليست كائناً نرجسياً أو متمركزاً حول ذاته لكنه قد ينسى الكثير من الأشياء في رحلة اكتشاف الذات بعيداً عن تشويش أي شخصٍ آخر حتى وإن كانت امرأةً أيضاً، وهذا ما يتجلى في عينيها ونظراتها وحيرتها وملامحها التي تتضح تارةً وتبتعد تارةً أخرى في حالة من التأرجح بين الرغبة في البوح والتراجع خوفاً من عواقبه، ولا تنفصل هذه (الأنثى الحائرة) عن صورة فلسطين كمرادف للوطن والأم والحبيبة، والتي تبدو في أعمال أسامة سعيد وكأنها أمام عدسة كاميرا تقترب منها أحياناً لتلتقط ملامحها بدقةٍ ووضوح ثم تبتعد لاحقاً لتترك بينهما (مسافةً آمنة)، وسط حالة ٍ من الخوف والترقب والتوتر الذي ينعكس عليها وينتشر في أنحاء اللوحة ككل، فيجعلها محركاً للأحداث ومادةً دسمة يتناول الناس أخبارها بشغف عبر قصاصات الورق والصحف اليومية التي يأتي وجودها بينهم انسيابياً وأساسياً سواءاً كان ذلك في قربها أو بعدها..
كما نرى في أكثر من لوحة عدة نماذج للمرأة الفلسطينية الحزينة التي ترثي أبنائها أو تعيش أحزانها في وحدة وعزلة لا تختلف عن واقعها الذي ارتبط بحكايات الشهداء والأسرى، والتي نراها تنبعث في أعمال الفنان أسامة سعيد عبر ألوانٍ قوية، معبرة ومتأججة لتواكب هذا الوجع المترامي الأطراف في صورٍ متعددة تعكس هذا الغضب المشروع عندما تضيق نظرة الإنسان وقلبه بمأساة إنسانٍ آخر يسحق في صمت، ولعل في تداخل رمزيات ٍ عدة تشير إلى فلسطين كقباب المساجد وتحديداً (قبة الصخرة) مع الصلبان التي تعلو الكنائس ومع البيوت البسيطة والنظرات المتحجرة من الصدمة إشارةً واضحة إلى إتصال القضايا الإنسانية والوطنية ببعضها البعض، وعدم انفصال البعد الأخلاقي والوجداني عنها سواءاً كان ذلك بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، حيث تكرر رسم الغزاة ضمن أعماله في إطارٍ يعري سلوكياتهم بوضوح، أو ضمن لوحاتٍ تشخص الوضع الحالي بدقة بين حالةٍ من الغفلة والإستغراق في مظاهر الحياة العصرية والتطور الشكلي الذي يجعل الإنسان في سلسلةٍ من الإلهاء المستمر متبوعاً بالعيون التي تغص بها لوحات أسامة سعيد، والتي قد تختلف في معانيها أحياناً من لوحةٍ لأخرى لكن المضمون والفكرة التي تبعثها في النفس تحمل ذات المعنى كون لغة العيون هي الأكثر صدقاً..
ويعتبر أسامة سعيد في لوحاته الألوان بدرجاتها وتفاوتها لاعباً أساسياً قادراً على إيصال رسالته بغض النظر عن موضوع اللوحة، كما أن الطبيعة حاضرةٌ كمكون رئيسي في الكثير منها، وأحياناً كمشهدٍ يبث الشعور بالأمل والتفاؤل وكأنها بمثابة استراحة محارب بين عددٍ كبير من اللوحات الفنية التي تقدم موضوعاتٍ أو انطباعاتٍ جادة وعميقة وتمثل متعةً للعين بتركيبها وخصائصها..
وبرغم ذلك يفاجأنا الفنان الفلسطيني أسامة سعيد من حينٍ لآخر بطرحٍ جديد وأسلوبٍ مختلف لم نعهده في لوحاته وهو ما يؤكد رغم سنوات تجربته الطويلة قدرة المبدع على التجدد بدءاً من ذاته، عندما يقرر تحديها والإكتفاء بمنافستها ليتفوق عليها في كل مرة يكتشف فيها بعداً مختلفاً في أعماقه، ليقدمه للمتلقي وينقله إلى أحضان تجربةٍ متفردة تثبت قدرة الفن على ملامسة الروح ونقلها من عالمٍ إلى آخر..
خالد جهاد..
الفنان / أسامه سعيد |
الكاتب الصحافي / خالد جهاد |
Post A Comment: