الكاتب المصري / الدكتور أحمد شعبان يكتب مقالًا تحت عنوان "النظام القانوني للشيوع وأثره في التصرفات العقدية"
يعتبر حق الملكية من الحقوق العينية الأصلية، وهو سلطة يخولها القانون للاستئثار بالشيء المملوك على وجه دائم وبصورة مقتصرة على المالك، فمن له حق الملكية على شيء كان له حق استعماله، وحق استغلاله، وحق التصرف فيه، وبذلك يستجمع كل السلطات التي يعطيها القانون للشخص على الشيء.
وقد نظم المشرع المصري حق الملكية بمجموعة من النصوص والتي يتضمنها أساسا القانون المدني، الذي أقر المبدأ العام المتعلق بضمان حماية الملكية الخاصة، فهذه المنظومة القانونية ضبطت المبادئ العامة للملكية، وأقرت صراحة حرية التملك وحماية حق الملكية والتصرف فيها، وجعلت توافق إرادة الأطراف بشكل رضائي في إطار ما يسمح به القانون في التعامل بهذه الحقوق.
والأصل في الملكية أن تكون مفرزة، وذلك بأن ينفرد الشخص بملكية الشيء الواحد لا يشاركه في ذلك أحد، غير أن الملكية قد تكون على غير هذا الأصل وذلك في الحالة التي يتعدد فيها الملاك للشيء الواحد، وأن يكون لواحد منهم جزء مفرز محدد، وهو ما يعرف بالملكية الشائعة، والملك الشائع، كالملك المفرز من حيث جواز التصرف فيه بالبيع والهبة، وكذا ممارسة عناصر الملكية الأخرى كالاستعمال والاستغلال.
وقد قسم الفقهاء الشيوع إلى قسمين: شيوع اختياري، وشيوع إجباري، فالشيوع الاختياري يوصف بهذا الوصف إذا كان قابلا للقسمة، بمعنى أن الخروج منه أو البقاء فيه يتوقف على إرادة المالكين، فلكل واحد منهم في حالة عدم وجود اتفاق أن يطلب إفراز نصيبه، فيصبح بذلك مالكا ملكية مفرزة عن طريق القسمة، أما الشيوع الإجباري فعلى العكس من ذلك تماما، فلا يجوز طلب القسمة فيه، و هذا مبدأ عام قد جرى عليه كل من الفقه الإسلامي و القانون المدني المصري حيث أكد على أن لكل شريك في الشيوع سلطات مباشرة على الملك المال الشائع، فله الحق في التصرف عليه، أو الاستيلاء عليه، وله أن يستعمله و ينتفع به و يتولى إدارته بالطرق القانونية، شريطة عدم إلحاق الضرر بباقي الشركاء، و معنى ذلك أن حق الشريك المالك على الشيوع هو حق عيني لاحق شخصي، حيث ينشئ سلطات مباشرة على المال الشائع .
مفهوم الملك الشائع
الأصل في الملكية أن تكون فردية مفرزة، وذلك بأن ينفرد بها شخص واحد لا يشاركه ولا يزاحمه أحد فيها.
فيكون المالك الشيء وحده الحق في استعماله واستغلاله والتصرف فيها، غير أن الملكية قد توجد في وضع استثنائي بحيث تثبت في نفس الوقت لعدة أشخاص على نفس الشيء فيختص كل منهم بحصة رمزية أو حسابية معينة على شكل ملكية شائعة.
تعريف المال الشائع ومصدره
الشيوع حالة قانونية تنتج عن تعدد أصحاب الحق العيني الأصلي، فالشيوع متصور بالنسبة لكل الحقوق العينية الأصلية، وإذا كان المشرع قد اقتصر على تنظيم الملكية الشائعة فذلك يرجع إلى أنها الصورة الغالبة للشيوع، أما الشيوع في الحقوق المتفرعة عن الملكية فتطبق عليها ذات الأحكام القانونية، وإن كانت غير غالبة.
وعليه فإن الحق العيني ونقصد به المال الشائع هنا، يكون مملوكا لعدة أشخاص تحديد نصيب كل واحد منهم ماديا ولكنه يكون محددا معنويا في الحق نفسه.
و مقتضى ذلك أنه إذا تملك اثنان أو أكثر شيئا معينا سبب من أسباب التملك القانونية دون أن تفرز حصة كل منهم فيه بصفة مفرزة فهم شركاء على الشيوع، أي على الاختلاط، فالشيوع هو تعدد الملاك للشيء الواحد، دون أن يكون لأي منهم نصيب مفرز محدد، حيث يملك كل منهم حصة شائعة في الشيء بأكمله على نسبة معينة فيه كالنصف، أو الثلث، أو الربع، و الأصل أن تكون الحصص متساوية ما لم يقم دليل على غير ذلك، فان حق الشريك يرد على الشيء بنسبة حصته فيه فقط، بان يستعمل و يستغل حصته المشاعة كيف شاء، بشرط ألا يلحق ضررا بحقوق سائر الشركاء الآخرين، فالشيوع هو اشتراك شخصين فأكثر في ملكية عين أو حق عيني آخر غير مفرزة حصة كل منهم، فإذا لم يعين مناب كل من الشركاء عند بدء الشيوع يحمل ذلك على تساوي الحصص بينهم، و هذا هو الأصل فإذا لم يكن هناك تحديد أو كان هناك شك في التحديد، حسبت الحصص متساوية.
ثانيا - تمييز المال الشائع عما يشابهه.
الشيوع بمعناه السابق يختلف عن الملكية الفردية كما يختلف عن الصور المشتركة الأخرى للملكية التي يتحدد فيها لكل شريك في الشيء المملوك جانب يختص به.
1- إن الطابع الاستثنائي الذي تتميز به الملكية الشائعة يجعلها تختلف عن بعض النظم المشابهة، فالملكية الشائعة باعتبارها حالة مؤقتة تنتهي حتما في مدة أقصاها 20 سنة تختلف عن الملكية الفردية التي تبقى كذلك إلى أن يطرأ عليها تصرف كالبيع إلى أكثر من مشتري أو وفاة المالك وانتقالها للورثة.
هي وكذلك الحصة التي يملكها الشريك في الشيوع تكون شائعة في الشيء كله لا ترتكز في جانب منه بالذات، وهذا ما يميزها عن الملكية المفرزة التي يكون فيها الملك محدد ومفرز، كما أن الملكية الفردية أضحت هي الأصل الملكية الشائعة والاستثناء، والمالك على الشيوع يكون مرتبطا في التصرف في ملكه بحقوق الشركاء الآخرين بينما المالك في الملكية المفرزة لا يخضع إلا للتشريع المعمول به”.
2- كما تختلف الملكية الشائعة عن الملكية المشتركة (الجماعية) فهي ملكية وسط بين الملكية المفرزة والملكية المشتركة، فهي ملكية واحدة لكل الشركاء مجتمعين ولا يملك أي واحد منهم بمفرده لا الشيء المملوك ولا الحصة فيه مفرزة أو شائعة، إذ أن كل شريك في الملكية المشتركة يقدم نصيبه يفقد حقه العيني عليه لينتقل إلى الجماعة دون أن تكون لها شخصية معنوية.
3- والشيوع يختلف عن تقابل حقين في الشيء الواحد، فقد تكون رقبة الشيء لشخص وحق الانتفاع بها لشخص آخر، فلا يعتبر مالك الرقبة، وصاحب حق الانتفاع في شيوع فيما بينهما، لان لكل منهما حق يختلف عن الحق الذي للآخر.
4- وتختلف أيضا الملكية الشائعة عن ملكية الطبقات، فهذه الأخيرة ليست ملكية شائعة بل هي ملكية مفرزة لان محل حق كل شريك طبقة محددة من طبقات المنزل لا يشاركه فيها تسيير الشريك للمال الشائع تسيير الشريك للمال الشائع غيره، ولكن الأرض وأجزاء البناء من المنزل المعدة للاستعمال المشترك بين جميع الملاك تعد مملوكة على الشيوع.
مصادر الملكية الشائعة
إن كل سبب يصلح لكسب الملكية المفرزة، يصلح في نفس الوقت أن يكون مصدر لكسب الملكية الشائعة، إذا ما تعلق بعدة أشخاص في آن واحد، فقد يكون مصدر الملكية الشائعة بفعل إرادي كأن يتفق عدة أشخاص على شراء شيء معين كقطعة أرض، أو الوصية كأن يوصي شخص لإثنين أو أكثر بأرض على الشيوع و قد يكون مصدر الملكية الشائعة غير إرادي لأن يكون ناتجا عن الظروف أي لأي سبب من أسباب كسب الملكية لاسيما الميراث"، و الذي يعد من أهم الأسباب بالنسبة إلى الملكية الشائعة، فأكثر ما يكون الشيوع عند وفاة المورث و ترك ورثة متعددين، فتنتقل إليهم أمواله الشائعة.
وقد يكون مصدر الشيوع الشفعة أو الاستيلاء أو الحيازة، كأن يحوز شخصان أو أكثر أرض حيازة مشتركة خالية من العيوب، وبوجه خاص عيب اللبس الذي قد يشوبها عادة، كما قد يكون مصدره الالتصاق هو ما يحدثه الغير في المال الشائع من بنايات وأغراس حيث المالكون على الشيوع مالكين لهذه البنايات أو الأغراس التي أنشأها الغير كل بحسب ذلك المال الشائع، كما قد يكون مصدر الشيوع التقادم".
وفي الختام
إن الملكية الشائعة من الموضوعات الهامة في دراسة حق الملكية بوجه عام، ذلك أن الملكية يكون محلها شيئا ماديا مملوكا لأكثر من شخص، دون أن ترتكز حصة كل منهم في جانب منه بالذات، وإنما تتحدد بصورة رمزية أو حسابية في الحق ذاته.
او من خلال مقالنا عن النظام القانوني للشيوع وأثره في التصرفات العقدية تبين لنا أنها ملكية تثير الكثير من الإشكالات والصعوبات مما يجعل استغلال المال الشائع واستغلاله والتصرف فيه تعقيدا أكثر مما لو انفرد بملكيتها شخص واحد.
فبخصوص تسيير الشريك للمال الشائع فقد عرضنا على تحديد مفهوم المال الشائع والذي هو اشتراك شخصين أو أكثر في ملكية معينة بحيث تكون حصة كل منهم غير مفرزة، مستنبطين طبيعته القانونية أين توصلنا بأنه حق ملكية بالمعنى التام، ولكنه مقيد بحقوق الشركاء الآخرين.
كما ان تسيير الشريك من حيث إدارة المال الشائع إلى أن إدارته تكون من حق الشركاء مجتمعين، وكما تبين لنا أن أعمال الإدارة إما أن تكون أعمال الإدارة معتادة والتي اشترط لها المشرع توفر رأي أغلبية الشركاء، وإما أن تكون من أعمال الإدارة غير المعتادة، والتي يلزم لها اتفاق الشركاء الذين يملكون على الأقل ثلاثة أرباع المال الشائع، وذلك نظرا لخطورتها لتضمنها تغييرا أساسيا في المال الشائع.
وان تسيير الشريك للمال الشائع عن طريق الانتفاع به بواسطة قسمة المهايأة، وليس المقصود منها إنهاء حالة الشيوع بالقسمة وهي نوعان قسمة مهايأة مكانية وقسمة مهايأة زمانية، أما عن طبيعتها القانونية، فالمشرع المصري كيفها على أساس أنها إيجار من حيث الاحتجاج بها على الغير وكذا من حيث أهلية المتقاسمين وحقوقهم والتزاماتهم، بالإضافة إلى طرق إثباتها.
أما بخصوص تصرف الشريك في المال الشائع، يمكن للشريك على الشيوع أن يتصرف منفردا في المال الشائع وذلك في حدود حصته، والتصرف يكون في جميع أنواع التصرفات سواء كان ذلك بنقل ملكيتها كالبيع والهبة على سبيل المثال لا الحصر أو ترتيب حق عيني عليها، كحق الانتفاع أو الرهن، من عدم ترتيب حق ارتفاق على الحصة الشائعة.
وأخيرا، أنه يمكن للشركاء أن يتصرفوا مجتمعين في المال الشائع كله أو في جزء مفرز منه، و تعتبر هذه التصرفات صحيحة لأن الأصل يكون إجماع الشركاء، و الذي يؤدي إلى انتهاء حالة الشيوع إذا كان التصرف الصادر من الشركاء بنقل الملكية مثلا، و لما كان من الصعب إجماع الشركاء للتصرف في المال الشائع فقد أجاز المشرع المصري للشركاء الذين يملكون على الأقل ثلاثة أرباع المال الشائع أن يتصرفوا فيه إذا استندوا إلى أسباب قوية.
Post A Comment: