الأديب العراقي / عماد الدعمي يكتب قصيدة تحت عنوان "المشي على الماء والنّار" 


الأديب العراقي / عماد الدعمي يكتب قصيدة تحت عنوان "المشي على الماء والنّار"


على الماءِ أمشي

على النّارِ أمشي

أرشٌّ على الجرحِ مِلحًا

وأحبسُ ماءَ الدّموعِ ..

واحملُ همًا

وأطويه تحتَ الضّلوعِ ..

وارفعُ رأسي

لكي لا يراني زنيمٌ

تسيَّدَ هذا العراقَ !

أنا أبنُ الفراتينِ .. 

أصْلي من الماءِ والطينِ

بيتي من الماءِ والطينِ

شيطانُ شعري

من النّارِ والطينِ !

جزئي وبعضي يَثورُ ..

ونصفي وكلّي يَثورُ ..

لأنّي ولدتُ بأرضِ الرّبيعِ

وما بينَ عطرِ الزّهورِ

وما بينَ عشبٍ ونهرٍ

ترعرعتُ ثُمَّ كَبُرتُ

وصرتُ شَغوفًا بحبٍّ النّخيلِ 

صبورا قويًا

أسيرُ بدربِ الإباءِ ..

وحينًا تراني ضعيفًا رقيقًا 

إذا فاحَ عطرٌ لوردةِ جوري 

وهبَّ النسيمُ بذاك المساء ..

أبي كانَ رمزَ النقاءِ

كثيرَ العطاءِ ..

تعلمتُ منهُ دروسَ الحياةِ

وأيقنتُ منهُ بأنَّ البساطةَ

نبعُ الجمالِ 

وأصلُ البديعِ

ومعنى الوفاءِ ...

وأنّ طريقَ السلامةِ دربٌ محاطٌ

بكلِّ العساكرِ

ما زال فيه دمُ الشُّهَداءِ ..

وصوتُ عويلِ النّساء ِ ..

وأمّي التي رَحَلتْ دونَ رَجْعٍ

نراها تحوكُُ بذاكَ الحصير ..

كسجّادةٍ من حرير ..

نصلي عليها ..

ونجلسُ تحتَ ظلالِ النّخيلِ

وعندَ المساءِ ...

تقومُ وتخبزُ خبزَ الحياةِ

وفي كلَّ فجرٍ

على صوتِ ديكٍ تُصلي !

وتدعو لكيلا نغادِرَ

من قريَةٍ وَشَّحتنا

رداءَ البهاءِ ...

أحنُّ إلى قريتي 

حينَ يأتي الغروبُ 

وتهبطُ شمسُ السّماءِ ..

لتغفو على الطّرقاتِ ..

وكيفَ يحلُ الظّلامُ الرّهيبُ

وكيفَ تُعشعشُ تلكَ العصافيرُ ليلا

على شَجَرِ التّوتِ 

حتى تنامَ وتصحُوَ فجرا

وتُرسِلَ زقزقةً مثلَ لحنٍ مُدوٍّ

لتعلنَ ضوءَ الصباحِ

فيغدو النهارُ

مليئا بحبِّ البقاءِ ..

على الماءِ أمشي

لأني ولدتُ

بضفةِ نهرٍ يُغذي الوجودَ

يُغذي نضارةَ وجهٍ جميلٍ 

ويظهرُ وجهَ قَبيحٍ

ويكشفُ سرَّ الفتاةِ

التي ذُبِحَتْ ...

في ظلامِ الدّجى !

ويلعنُ أصحابَ سَبتٍ

ويحملُ حينًا سفينَةَ نوحٍ

لمرسى النّجاةِ ..

ويهلكُ فرعونَ خنقًا

ويحملُ قبرا لموسى

وينأى بعيدًا

فموجُ المنايا سبيلُ الحياةِ..

سأبقى على الماءِ أمشي

لأعبرَ  كلَّ المعابرِ

دونَ جسورٍ !

سأبقى على النّارِ أمشي

وأنأى بعيدا 

لكيلا أموتَ بطئيا

لأنّ المنايا بهذي البلادِ ..

تطوفُ مساكنَ كلِّ العبادِ ..

وتحرقُ طفلا بريئا

وتقتلُ كلَّ اليتامى

وتنثرُ رُعبًا بكلِّ الدّروبِ ..

أحنُّ إلى قريتي 

وإلى خبزِ أمي

فكيفَ أعودُ ؟

وتنورُ أمي

مع الرّيحِ ولّى !

ونهري العتيقُ ( مُشُورَبْ )١

يجفُ ..

فيهجرُهُ العاشقونَ

ليبقى غريبًا

يُسامرُ طيفَ الضّياءِ 


١/ نهرٌ يَشقُ احدى قرى الدعوم إلى نصفين ويُغذى بالمياه من نهر الفرات، وعلى ذلك سميت القرية بقرية (المشورب ) وهي قرية زاهية بالماء والخضراء.




Share To: