الكاتب المغربي : إسماعيل بخوت يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "تمنى ألا يأتي" 


الكاتب المغربي : إسماعيل بخوت يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "تمنى ألا يأتي"



وقف عند حافة الطريق بعد أن تجاوز مخرج المؤسسة، ما زالت تحرقه تلك اللحظة، صورها تتحرك في مخيلته رغما عنه .

 وقف أمام باب القسم بعد أن أخرجهم المعلم إلى الاستراحة، جرى كل الأولاد إلى وسط الساحة، كانت تشغل مساحة مهمة من سور المؤسسة، نصفها مكسو بالحجارة، و النصف الآخر تم ملؤه بالتراب لتحفظ شيئا من ماء وجهها.

تجمع كل التلاميذ الذكور وسط الساحة و ملامحهم تفيض سعادة، ذهب معلمهم لتجاذب أطراف الحوار مع المعلم الذي يدرس بالقسم المجاور . لم يتحرك من مكانه، ظل يراقب زملائه من أمام باب القسم، كان يشعر ببرودة شديدة في قديمه، يرتدي دائما حذائه الذي لا يغيره بدون جوارب، تمزقوا، أصبحوا غير صالحين للاستعمال، لم يوفروهم له، كان يعرف كل شيء، لم يطالبهم بذلك. أضحى غير آبه بهذه الأمور، اعتادها. 

اجتمعوا على شكل دائرة بسرعة، كانوا ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر، ظل يراقبهم و الحزن يتحرك في دواخله دون كلل. دفعة واحدة  سحبوا خاذرفهم (طرومبياتهم) من جيوبهم، و بدأوا اللعب دون أن ينتبه إليه أحد.

غاص المعلم في الحوار مع زميله، أتموا الحوار في النقطة التي توقفوا عندها قبل الولوج إلى العمل و هو غير آبه بالتلاميذ، مستمتعا بفترة الاستراحة.

لم تزغ عيونه عليهم، كان مشدودا اتجاههم و هم يلعبون، كان يجرحه في الداخل دوران الخدروف (الطرومبية)، قاوم هذا الشعور، فشل، كان أقوى منه، سالت دموعه و هو يحاول أن يقي نفسه من الظهور أمامهم باكيا.

ولجوا عند معلمهم الثاني بعد الاستراحة، كان شارد الذهن طول الحصة، غاب عنه نشاطه، كان مثل الجثة، يحاول أن يجيب عن السؤال،  لماذا هم لديهم ؟، و هو لا، لم يستطيع أن يفسر ذلك.

انتبه إليه المعلم، استشف عدم مشاركته، حاول أن يدخله في الدرس، كان يجيب كل ما وجه إليه السؤال، ليتخلص فقط من تسليط الضوء عليه.

خرج الكل سعيدا كان آخر يوم قبل العطلة، سيلتحقون بعد العيد، خرج بنفسيته المجروحة، لم يستطيع أن يبعث الفرح في دواخله، لم يفرح مثلهم بالعيد، تمنى ألا يأتي! 

غادر كل أسوار المؤسسة، كان يمشي وسطهم و الألم ينخر روحه، تمنى أن يسأله أحد عمَّا به، أراد فقط أن يفرغ ما يعتصر روحه، لم يسأله أحد من زملائه، نادرا ما نتلقى السؤال الذي يجب أن يسأل في الوقت الذي نريد.

 فهم منذ تلك اللحظة أن الذوات لا تشعر ببعضها، كل واحدة تحيا ألمها منعزلة عن العالم، و لا ذات تشعر بالأخرى حتى لو أرادت.

دق أذنه صوت عمته بالكاد وقف أمام عتبة منزلهم. كانت لا تفوتها زيارتهم كلما جاءت لزيارة والديها، كانت تأتي لزيارة أخيها، تحفظ له في الذاكرة الكثير، وقف جانبها في وقت الشدة، كانت تشعر أنه أصبح في حاجة إليها بعدما تردت وضعيته المادية و الصحية.

خفق قلبه، تحركت أحرف الفرح على ملامحه، شعر بنفسه أنه وفر ثمن شراء (طرومبية)، عانقها بحرارة بعد أن دخل، أتت له بالعديد من الثياب، كانت شبه مستعملة، لم يرتدونها كثيرا أبناء من تشتغل لديهم.

كانت تقيس عليه كل بذلة أتت له بها، و تقول بصوت بهلواني يجعله يضحك رغما عنه: على مقاسك يا عمر، على مقاسك.

كان مشغولا  فقط كيف يفتك منها الدرهمين ليشتري (طرومبية) لم تكن تهمه الملابس، فعلها مرارا ارتدى ملابسا مستعملة يوم العيد، و خرج بها أمام رفاقه على أنها جديدة، كان يذبحه من الداخل هذا الأمر، لم يشك فيه أحد يوما، لكنه كان مستعدا أن يخبرهم الحقيقة إن سأله أحد، يشعر بها أنها تحرره، تسمح له  بتنفس الحياة رغم كل الخراب الذي تخلفه بعد النطق بها.

استل من وسطهم، جلس ينتظرها خارج المنزل، جلس يفكر كيف  سيخبرها، يستحي أن يطلب من شخص ما شيئا، تعلم من والده أن ما لديهم كاف . 

خرجت وحدها من منزلهم على غير عادتها، لم ترافقها أمه إلى الباب الخارجي، وقف مبتسما، و هو يرى ما كان يرجو تحقق، يريد أن يحدثها في غياب الجميع، عانقها بحرارة، أخبرها في أذنها قبل أن يفك جسده عنها، تبدت لها أنها بسيطة، سددت له ثمنها، عانقها من جديد، أغلقت الباب خلفها و دواخلها تفيض سعادة برؤية الفرح في عيونه، شعر بأنه أسعد إنسان.



Share To: