الكاتب المغربي : محـمد أمقران حمداوي يتابع نشر أحداث سيرته الذاتية: صراخ في خيمة التعليم
من أغادير كانت الانطلاقة
كنت واثقا ثقة عمياء أن غدي سيكون أفضل من حاضري بسبب عزمي الكبير على الدرس والتحصيل الذي بدأت إرهاصاته الأولى من كلية آداب ابن زهر بأكادير. ماذا أتذكر اليوم عن هذه الكلية ؟
مرت الآن سنوات كثيرة عن التاريخ الذي أتكلم عنه. لي ذكريات أليمة مع هذه الكلية التي طردت منها خلال الموسم الجامعي 96 / 97 .
ذكريات لن تبلى ولن تعود أبد الدهر. لن أكرر التجربة مرة أخرى لأني لم أعد مغفلا كما كنت ولأن " اللِّي عْضُّو الحْنْشْ كَيْخَافْ من الحْبْل " كما يقول المثل المغربي الدارج.
أتذكر أنني تسجلت في هذه الكلية بفضل بكالوريا جديدة حصلت عليها بصفة مرشح حــر. بدأت المشاكل مع هذه الكلية حينما رفض رئيس قسم الشؤون الطلابية الذي يلقبه طلبة الكلية ب "القايد " تسليمي بطاقة الطالب بدعوى أنني موظف غير حاصل على ترخيص وزاري لمتابعة الدراسة الجامعية. حذرني أحد الأصدقاء من أن القايد صلب ويرفض جميع الحلول والاقتراحات. أمضيت عدة أيام أسيرا لطيفه المتـلون. أصررت على أن ألتقي به. كنت جالسا أنا وصديقَيَّ محـمد بلي وحسن كربي ببهو الكلية عندما دخل القايد بقامته المتوسطة وبشرته السمراء كأنه مارد يحاول الإفلات من قبضة المتربصين. نظراته تشي بالصلابة والكبرياء ، جبهته عريضة ، أطرافه دقيقة ، شعره أسود. قلت في نفسي: كل من لديه شعر أسود أو ما يسمى ب " كْحْلْ الرَّاسْ " لا يمكن أن يأتي منه خير. ويترجم المغاربة هذا الاعتقاد الراسخ في أذهانهم بعبارة " الله يْنْجِّيكْ من كْحْل الرَّاس ". تفضلت إلى مكتبه. ألقيت عليه السلام. لم يعبأ بسلامي. ظل صامتا يقلب أوراقه. طال سكوته وطال انتظاري. شعرت بارتجاجة قوية جعلت الغصة تتصاعد في حلقي ، ومع ذلك صممت على أن أستدرجه إلى الحديث: - أود أن أعرف مصير بطاقتي (بطاقة الطالب). لماذا احتفظت بها إدارة الكلية ؟ لماذا امتنعت عن تسليمها لي؟
- ضحك ضحكة صاخبة أبانت عن فم بطقم يعلوه الصدأ من شدة التدخين ثم فجأة صدرت عنه حركة عصبية. خبط الطاولة بقوة: " سِـرْ تْـقْـوّد ، أنت موظف ". تلك عادته عليه السلام حيا أو ميتا مع جميع الموظفين الراغبين في متابعة الدراسة الجامعية. تمالكت نفسي وانصرفت لحالي دون أن أعرف أي اتجاه آخذ. أحسب أن ما سمعت بدا لي كالخوارق.
هل لدى إدارة الكلية أدلة ملموسة تثبت أنني موظف ؟ لا ثم ألف لا. كل ما لديها أن مظهري الخارجي مظهر لائق ومحترم لا يعني لها كما حدست أنني طالب في السنة الأولى ، فأرادت أن تتأكد من هويتي. اعتبرتني عنصرا مشبوها ومجرما يسرق المعرفة بدون سند قانوني... في حين أن المجرم في حكم القانون بريء حتى تثبت إدانته. لكن حظي أنا الذي جئت هنا طالب علم جعل القاعدة القانونية في مهب معاكس: " المتهم مدان حتى تثبت براءته ".
2
أتذكر أنني ترددت على مكتب " القايد " مرة أخرى في زي تظهر عليه ملامح البِلاء. استقبلني بحفاوة على غير عادته. ولكن لم يمض إلا القليل حتى سُمعت الكلمات المؤذية والسفيهة بدل عبارات الحفاوة والترحاب ، إذ صاح بأعلى صوته : " أنت موظف غبي و ز... و ق ... و وولد الح... " . كلمات وعبارات ساقطة يندى لها الجبين ما تخيلت أبدا أنني سأسمعها في إدارة الكلية من طرف رئيس مصلحة. عبارات ربما يراهــن بها على القوة لهزم خصومه عندما يجد نفسه في موقف ضعيف.
ومن غير أن أُضيع هدوئي واتزاني أجبته باسما:
لا علاقة لي يا سيدي بالوظيفة التي تتحدث عنها.
صمت من جديد ، استأنف بصوت أكثر شجى:
" أنت مُعَلِّم ولدينا من الوثائق ما يثبت ذلك ".
تظاهـرْتُ بموجة من الاستياء ، وقلت بهدوء زائد: لا يا سيدي. تشابه عليك الأمر. إن الله يخلق من الشبه أربعـيـن. قفز من مكانه خلف مكتبه كطفل مشاكس وارتمى علي بضربات ولكمات موجعة وهو يصيح: يا ولد الفاعلة يا ولد الق ( ... ) ثم بسطوته المعهودة: ابتداء من اليوم سأحيلك على القضاء وسوف يعنيك الأمر أكثر إذا ذكرت لك أنك زورت وثائق التسجيل، ثم باستهزاء : لقد وقعْت على أنفك.
في هذه اللحظة الساخنة غلَّبتُ وازع الحكمة ومنطق عدم الانسياق مع الانفعال السريع ثم انصرفت حتى لا أخلق لنفسي مشاكل وفي نفسي من الأحاسيس الخاصة
Post A Comment: